لم يكن يوم 9 يونيو عام 1967 يوما عاديا في حياة المصريين، بل كان يوما مشهودا.. ففي هذا اليوم ادرك المصريون انه قد حلت بهم هزيمة قاسية ومريرة تركت بصماتها غائرة في النفوس، حينما اعترف عبدالناصر صراحة بها في خطابه الذي توجه به الي الأمة، واعلن تحمله مسئوليتها كاملة وتقدم باستقالته من منصب رئيس الجمهورية بعد ان اختار زكريا محي الدين ليحل مكانه في المنصب الرئاسي.. غير انهم لم يستسلموا بهذه الهزيمة، وقالوا كلمتهم بوضوح انهم سوف يعيدون بناء قواتهم المسلحة لإزالة اثار هذه الهزيمة واسترداد سيناء التي احتلت. يومها كنت قد عدت صباحا من معسكر للشباب أقامته منظمة الشباب في مدرسة السعيدية مساء يوم الخامس من يونيو، او يوم الاعتداء الاسرائيلي علينا حتي ننال صباحا قدرا من التدريب العسكري علي استخدام السلاح، ومساء نقوم بمهام الدفاع المدني، وذلك بعد ان تم إغلاق المعسكر بشكل مفاجئ يوم التاسع من يونيو.. وجلست في نهاية هذا اليوم استمع مثل غيري لخطاب ناصر الذي اختتمه بجملته التي لم أنسها وأبناء جيلي حتي الان والتي قال فيها انه اتخذ قرارا طلب من المصريين مساعدته عليه، وهو قرار الاستقاله..وفور انتهاء الخطاب خرجت أهيم علي وجهي في الشوارع.. ولكنني فوجئت انني لم أكن وحدي الذي خرج الي الشارع.. وانما خرجت معي جموع غفيرة ضخمة وهائلة من المصريين يطالبون عبدالناصر بالتراجع في قراره والبقاء في منصبه ليقود عملية اعادة بناء القوات المسلحة بعد هذه النكسة لتكون قادرة علي ازالة اثار الهزيمة واسترداد ارضنا التي احتلت في سيناء. هذا الخروج الجماهيري، الذي يشبه خروج الجماهير فور اعلان وفاة عبدالناصر، تم بشكل فوري وتلقائي دون أية توجيهات من جهة،كما ردد البعض، لان كل الجهات الحكومية او السياسية، مثل الاتحاد الاشتراكي او منظمة الشباب او التنظيم الطليعي اصيبت بالشلل وقتها بسبب فداحة الصدمة الوطنية، ولم تكن قياداتها قادرة علي التفكير، ناهيك عن توجيه الجماهير.. وما شاهدته بعيني فور انتهاء خطاب عبدالناصر يومها في الشوارع دليلي المؤكد علي ذلك.. كما ان طلب هذه الجماهير من عبدالناصر البقاء في منصبه كان رفضا شعبيا للهزيمة وإصرارا علي ازالة اثارها.. لانها كانت تدرك ان التخلص منه كان احد أهداف الاسرائيليين والامريكان الذين كانوا يدعمونهم.. ولذلك كان ملفتا للانتباه انه بعد بضعة شهور قليلة خرج آلاف الطلاب والعمال في فبراير من العام التالي ( 68 ) الي شوارع القاهرة مجددا يعترضون علي الاحكام التي صدرت بحق قادة الطيران الذين اتهموا بالتقصير في يونيو 67، مطالبين عبدالناصر ليس فقط بإعادة المحاكمة وانما بإصلاح سياسي شامل في البلاد، للتخلص من المقصرين والفاسدين لتكون اكثر قدرة علي الاستعداد للحرب التي لا مفر منها لاسترداد الكرامة الوطنية قبل الارض المحتلة، وهو ما حققناه في السادس من أكتوبر عام 73، وقبلها حرب الاستنزاف التي بدأت بعد أيام فقط من وقوع الهزيمة.