في ليلة الثامن من شهر يونيو عام 1967 تقرر إلغاء المعسكر الذي أقيم بناء علي طلبنا لتدريبنا علي استخدام السلاح . والذي كنّا من خلاله نقوم بأعمال الدفاع المدني منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي علينا. وذلك بعد أن صدر بيان عسكري يعلن إعادة تمركز قواتنا المسلحة علي خطوط دفاعية جديدة علي الضفة الغربية للقناة. وهو كان أول إشارة لتلك الهزيمة التي تركت جرحا غاءرا في نفوس كل أبناء جيلنا الصاعد وقتها. وعدت برفقة أصدقاء العمر. احمد يوسف واسامة الغزالي وعثمان محمد عثمان . سيرًا علي الأقدام من أمام مبني مديرية أمن الجيزة حيث كنّا نقف لممارسة أعمال الدفاع المدني . إلي منزله في شبرا . لأن المواصلات العامة لم تكن قد بدأت العمل بعد. كان الهم والحزن يفتك بِنَا. وكانت الصدمة تنهش أرواحنا قبل أجسادنا. فالهزيمة كانت مزلزلة لكيان كل منا. بل كل أبناء جيلنا الذي كان يوصف بانه علي موعد مع القدر. وبسبب الإنهاك النفسي والبدني استسلمت للنوم ربما للهروب من واقع فظ أليم لا أريد تصديقه . وهو واقع الهزيمة المر. واستيقظت قبل إذاعة بيان عبد الناصر الذي ألقاه مساء يوم التاسع من يونيو. استمعت بألم حاد وغضب كبير لبيان عبد الناصر الذي أعترف فيه بالهزيمة وأنهاه بإعلان تحمله كل المسئولية عما حدث ثم فاجأ الجميع بإعلان تنحية عن السلطة وتركها لزكريا محي الدين . وما انتهي عبد الناصر من بيانه خرجت علي الفور من المنزل إلي الشارع. منتهيا الذهاب للصديق أحمد يوسف الذي يسكن علي مقربة مني لنناقش الأمر وماذا نفعل. كنت في حاجة إلا أكون بمفردي. وما أن بدأت أسير خطواته الأولي في الشارع . حتي سمعت صرخات تعلو من نوافذ المنازل. ثم بدأ الناس يخرجون إلي الشوارع يعلنون رفضهم لتنحي عبد الناصر. وكلما مضيت في سيري كانت اعداد الناس التي تخرج إلي الشارع تتزايد وتتزايد . وأصواتهم تعلو وتعلو حتي صارت هتافات تقول لناصر. لا تتنحي أبقي حتي نزيل آثار الهزيمة ونسترد الأرض التي احتلت في سيناء. والأهم نسترد الكرامة التي فقدناها بسبب هذه الهزيمة. لم يكن هناك أحد طلب من عموم الناس الذين شاهدتهم بعيني في الشوارع فور انتهاء عبد الناصر من خطاب التنحي ان يفعلوا ذلك. هم خروجوا من تلقاء أنفسهم. خروجوا ليعلنوا أساسا رفضهم للهزيمة وإصرارهم علي إزالة آثارها. ولذلك طالبوا عبد الناصر بالبقاء لأنهم أدركوا بفطرتهم الوطنية أن كيان دولتهم الوطنية كان هو المستهدف بالعدوان الاسرائيلي . وان بقاء عبدالناصر هو رمز للمحافظة علي كيان دولتهم الوطنية. ولعل هذا ما عناه عبدالناصر في بيانه حينما قال. لقد قررت التنحي عن الحكم وتسليمه إلي زكريا محي الدين مادامت مشكلتهم معه. لقد خرج عموم الناس فورا إلي الشوارع يطلبون عبدالناصر بالبقاء ليحرر الارض ويسترد كرامتهم معهم . قبل ان يفيق اي مسئول وقتها من صدمة الهزيمة. سواء في الحكومة أو التنظيم السياسي . ناهيك بالطبع عن قيادة القوات المسلحة. ولذلك لا يصح أن يخرج علينا أحد . خاصة إذا كان متابعا جيدا لما كان يحدث في البلاد كما يقول . ليدعو ان مظاهرات 9. 10 يونيو التي طالبت عبدالناصر بالبقاء كانت مدبرة ومخططة من قبل ناصر نفسه وأدوات الحكم. هذه المظاهرات مثل مظاهرات فبراير 68 كانت تلقائية وفجائية. وليست مدبرة او مخططه. وعبدالناصر نفسه هو وأسرته فوجئ بخروج الجماهير تطالبه بالبقاء لتجاوز الهزيمة وإعداد الجيش لحرب تحرير الأرض التي احتلت والكرامة التي أهينت. وهذه شهادة علي ذلك لا يصح كتمانها. وهي ليست لناصر الذي رحل عن عالمنا منذ قرابة الأربعة عقود. ولكنها شهادة للتاريخ الذي كثر من يهوي تزييفه لغرض في نفس يعقوب.