المنحطون فقط هم من ينسون هؤلاء الذين أسدوا إليهم الأيادي البيضاء، وقدموا من أجلهم الثمين والقيم، حتي ينعموا بحياتهم، ويأمنوا علي ثمرات جهدهم، وزهور عرقهم، ويطمئنوا علي فلذات أكبادهم وسائر أهلهم، والمصريون - في معظمهم - ليسوا ناكرين للجميل، أو جاحدين للفضل، بل هم علي شتي مستويات معاشهم أوفياء لمن أسدي إليهم معروفا، أسخياء علي من قدم إليهم جميلا، وليس هناك كالشهداء الذين جادوا بالمهج، وأنفقوا الأرواح، من يستحق منا الوفاء والعرفان، ومنتهي الامتنان، ليس فقط لأنهم رووا بدمائهم أشجار واحات الأمان الوارفة الظلال، التي ننعم بها اليوم، ونسجوا بتضحياتهم الفائقة محيط الطمأنينة التي امتدت لتغطي أديم واقعنا، ولكن أيضا لأنهم احتضنوا حلمنا جميعا، وعبروا به مستنقعات الشقاء وغابات اليأس، ليصلوا إلي بر الأمان وأرض التحقق والشروق، لقد فعلوها بإقدام أرواحهم السخية، وحققوها بشجاعة نفوسهم الكريمة، وتخطوا بحلم بلادنا المتطلع قفار التيه الشاسعة إلي أفق الإمكان، وبدوا بعد انتقالهم إلي مقاعد الصدق في ظل الرحمن، كالشموس الهادية في سماء الانتماء لأوطان عريقة، ونحن نتنسم عبير العيد، علينا أن نهدي أيامه المضيئة إليهم، فهم الأحق بالفرحة الخالصة، ولأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فهم يستغنون عن أي شيء يمكن أن نقدمه إليهم، فعلينا إشعارهم وهم ينعمون عند رب كريم، بأن تضحياتهم لم تذهب سدي، وأن عطاءهم لم يتبدد هباء، بل أثمر في واقعنا روحا منتمية تدثر النفوس بالرغبة في الارتقاء، وعلينا أيضا أن نبهجهم باستكمال طريقنا نحو نهوض الأوطان، ووصولها إلي المكانة التي ضحوا من أجل أن تصعد إليها البلاد، وأخيرا علينا أن نطمئن أرواحهم المرفرفة في الجنان علي أبنائهم وذويهم، ولنريهم احتضاننا لفلذاتهم، وسخاء احتوائنا لأبنائهم، فربما يكون ذلك هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن نقدمه من جهتنا إليهم في غرف الجنات العالية التي لا تعرف النهاية أو النقصان.