عندما نعيش الحب أمنية في زمان غاب وعز فيه الحب, وعندما نجتر الذاكرة بابتسامة ودمعة وأمل وبداية ونهاية.. نعيد فيها هذا الجهد الرائع الذي بذله المحب المخلص الوفي في سبيل أن يتقدم حبيبه.. ثم لا يلقي سوي الجفاء والحرمان وعدم الاعتراف بالجميل فتلك مصيبة كبري تلقي بفظائعها الدمار والخراب علي النسيج البشري وتعبر عن نفسها في آفة إسمها نكران الجميل!! ولما كان الحب قضية الانسان منذ كان وإلي ما شاء الله له أن يكون فمهما تقدمت الدنيا من حولنا, وتتابعت الحضارات, وظل إيقاع العصر الراهن سريعا بمعطياته التكنولوجية فسوف يظل الحب هو رعشة في سويداء القلب, وبرقا في ظلام السماء يرتعش, ودرة في جوف اليم تغرس فيه الأمل والعطاء... الحب سيظل يعبر عن الفروسية وسيظل المحب هو الفارس الذي ترتبط أحلامه بالمهرة الجميلة, التي تتمثل فيها الرشاقة والجمال والصهيل العذب. الأحلام في الحب واسعة تسع كل أماني الكون, أحلام في لون الورد وفي طعم السكر, لأن طعام الحب مذاقه كأطعمة الجنة مهما كان متواضعا ومهما كان بسيطا, فالحب يقتات علي مائدة المودة بأبسط الأشياء ليحولها إلي غذاء الملكات.. وهكذا يكون الحب فهو لا يعرف سوي العطاء والوفاء والاخلاص والاستمرار بنفس طويل عذب لا يقبل الفرقة لا يحتمل البعاد ولا الاختناق ولا يعرف سوي الوقوف امام المشكلات مهما كانت والعوائق مهما منعت.. وهذا هو سياج الحب المتين فكيف يتسلل اليه الجفاء, أو يتعرض الحب إلي النكران وعدم الاعتراف؟ اسئلة تدفعنا إلي أن ننبه الاذهان إلي خطورة الجفاء الذي يعلم اصحابه نكران الجميل, وصحيح ليس في الحب ما يسمي( جمائل) متبادلة اذا كان نقبا فالحبيب يشعر بطول عمره مع حبيبته, وان دموع الليالي الداكنة وما تحمله من آلام وضغوط وعدم ملاءمة الظروف, تجعل كل محب يمسح تلك الدموع من خلال العطاء والتفكير في حل مشكلة حبيبه بقدر ما يستطيع وبقدر ما يتاح له من فرص وبقدر ما يملك من مال وفكر وصحة وعافية وشعور ووجدان انه عطاء بلا حدود, وهو مخلص لا يتوقع اطلاقا ولو لحظة من عمره انه سيأتي عليه اليوم الذي يقابل فيه بنكران الجميل أو جفاء ممن أحب فهو الذي كان يقدم ضحكات العالم لحبيبه ليشيع فيه الابتسامة ويقرأ له حروف الهجاء وأوزن الموسيقي ليسمعه أجمل الألفاظ وأعذبها, وحتي إذا طلب منه ان يتسلق الجبال فانه يسعي إلي ذلك ويوصله معه بكل رفق إلي القمة. الحبيب يقدم نفسه بكل طواعية.. فلماذا يظهر الجفاء؟ لعل هذا السؤال ينحصر في الشعور بالتشيؤ, حيث يضيع الحب عندما يفكر أحد الأطراف في أنه قد أصبح شيئا وأن قيمته تتركز في كونه يقدم الخدمات وينجز الأعمال ويدفع ما يطلب من مصروفات وحاجيات تهم الحبيب ويحتاج اليها فهو يأخذ تصريح الحب من خلال تلبيته لهذه المطالب بحيث أصبح هذا التصريح هو المسوغ للمرور من بوابه الحب. والشيء الذي يلفت الأنظار بالنسبة لتصرفات هؤلاء الذين يتنكرون للحب المخلص والعطاء السخي أنهم يتذرعون بمجموعة من الحجج الواهية ويعتمدون علي بعض التبريرات المريضة التي لا تستند إلي منطق أو إلي عقلانية في الرؤية فهم يتصورون وهما ان الاستاذ إذا علم وأرشد ووجه فلابد وأن ينسلخ عنه تلاميذه لينطلق كل منهم في سموات الحرية وينسون رغم هذه الحجة الواهية أن الاستاذ هو المرجع الاساسي والمصدر المتدفق دائما ولابد وأن يستشار ولابد وأنه يؤخذ رأيه تجنبا للوقوع في الخطأ, ومن الأخطاء أيضا التي يقع فيها ناكر الجميل الميل إلي المراوغة وعدم الالتزام بالوعود والأقوال.. فيبدو ناكر الجميل ناسيا أقواله ووعوده ولايري إلا المكاسب الواقعية, فهو يحاول أن ينسي من حقق له الوظيفة ويفكر دائما في أمر مصلحته فقط, ناسيا للمسئولية الأخلاقية رافضا الاعتراف بكل من يقدم له الخدمات, ثم ينطلق ناكر الجميل إلي التطلع إلي كل من يقدم له الخدمات الجديدة, ويحاول دائما أن يضع مصلحته فوق كل الاعتبارات وهكذا يقع ناكر الجميل في دائرة البحث عن المنفعة ولا يعطي بالا لكل من ساعده ومن وقف معه وعاونه في شتي مجالات الحياة. ان ناكر الجميل يخون العشرة ولايعترف بها, وينسي كل ما فعله في سبيل تحقيق مصلحته, وبذلك يغلق علي نفسه دائرة المعرفة الصادقة والنزوع نحو عمل الخير والتضحية فهو لايفكر إلا في مصلحته وما يحقق له المنفعة. ان ناكر الجميل يحاول أن يخطف ويجري ولايبالي من الذي أعطاه ومن الذي ضحي من أجله, وساعده علي القيام بمهام الحياة التي يعيش بين جوانبها. ولابد وأن نقرر أن المحب المخلص هو الذي يعمل جاهدا أن يكون معترفا بالجميل, وان يكون الحب المخلص الذي لايعرف المصالح, ولايؤكد ذاته علي رفات من يحب, فالحب المخلص لايعرف الظلم ولا المصالح لأن الحب دائما يسعي بمنهجه الحاني دائما الي أن يزرع بذور الأمل, منشرحا وهو يبكي الجفاء ونكران الجميل, لأن دموع المحب المخلص سوف تمسحها ملائكة الحب وتجمعها في بوتقة الوفاء والصدق ثم تروي بها قلوب أهل الصفاء والاخلاص والاعتراف بالجميل. ولابد لنا من أن نقرر أن ناكر الجميل هو صاحب النظرة الفردية التي يغلب عليها الطابع الأناني بحيث يجعله هذا الطابع يخرج عن كل ماتتطلبه القيم والأصول والمباديء الخلقية من تصرفات تليق به كانسان بوصفه يمثل قيمة وأملا وانجازا يؤثر في نسيج البشر كله. وعندما نري الفرد الذي يدعي أنه يرعي الأفراد ويقودهم الي الخير والنماء ونشاهد من خلال تصرفاته السلوك الأناني والتفكير في مصلحته الفردية فاننا نشك في هذه التصرفات, خاصة وان مثل هذا الانسان يتميز بنكران الجميل ولايعترف بأفضال من مساعدوه أو تعاونوا معه وذلك الفرد الذي ينكر جمائل الآخرين ويتصور أنه هو الذي فعل كل شيء ناكرا لجهود الآخرين نقول له: ان البناء الشاهق الذي يتألف من مجموعة من ا لأحجار لن تستطيع ان تزعم ان أي حجر من احجار ذلك البناء يمكن أن يتكفل بتفسير البناء المعماري كله, ولن يستطيع البناء أن يبوح بسره لوحدة من وحدات البناء ولكن السر يكمن في ذلك الفن المعماري الذي استطاع المهندس أو المخطط أن يواجه به هذه الكثرة التي جمعت هذه الوحدات المتناثرة في ذلك البناء الشامخ المتناسق هكذا يكون العمل قلوبا متحدة وأيادي متناسقة وجوارح دافئة فيها الفاعلية والهدف المشترك وبالاعتراف بالآخرين بعيدا عن نكران الجميل والتقوقع في دائرة الأنانية