نكران الجميل من الصفات المذمومة التي إذا التصقت بأي شخص كانت دليلًا دامغًا على لؤم وخِسة نفسه ومرض قلبه ونقصان إيمانه.. فالمعروف عند ناكر الجميل ضائع، والشكر عنده مهجور، وغالبًا ما يتناسى ويحقر من كل جميل أو معروف يُقَدَّم إليه حتى لا يشعر صاحب هذا المعروف بأنه ذو فضل وكرم ونبل!.. وقد عرف العلماء نكران الجميل بأنه: "ألا يعترف الإنسان بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف والصنائع الجميلة التي أُسديَت إليه".. قال بعض الفضلاء: الكريم شكور أو مشكور، واللئيم كفور أو مكفور..
فالنفس البشرية السوية تحب وتقدر بطبيعتها كل من يقدم لها معروفا ويحسن إليها بل وإن الإحسان يقلب مشاعرها العدوانية إلى موالاة حميمة، كما أخبرنا جل شأنه في كتابه العزيز: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم} فصلت: 34 ويسمى هذا الأمر في حق الله: "كفران النعم وجحودها".. قال تعالى: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها}، النحل: 83
يعتقد الكثيرون خطأً أن شكر النعم يقف عند حد قولهم: "الحمد لله" دون استكمال أركان الشكر والتي من أهمها أن يتذكروا أن الله وهبهم هذه النعم لتساعدهم على الوصول إليه ويستخدموها أيضًا في طاعته وخدمة من حولهم.. وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله في منهاج القاصدين أن من أهم أسباب جحود النعم هو الغفلة عنها...لأن بعض النعم لعمومها وهي مبذولة لهم في الغالب بلا أدنى سبب كالسمع والبصر وغير ذلك..فلا يرى كل واحد لنفسه منهم اختصاصا بها فيقصرون في الشكر. وقد وصف الحسن البصري حال بعض الناس في جحودهم لنعم الله بصورة تحكي الواقع وذلك عند توضيح معنى (الكنود) فقال: " هو الذي يعد المصائب وينسى نعم الله عليه " ، فلا يرى و لا يبحث إلا عما ينقصه ، وهذا مدخل عظيم يوصل إلى نكران النعم .
وهناك من الناس من يدعو الله ويتضرع إليه ليل نهار أن يعطيه المال أو الولد فإذا أعطاه الله، نسي فضله وكرمه ، وبدلاً من أن يشكره ويوجه ما أعطاه في مرضاته، نراه يستعملها فيما يغضب الله عز وجل، وحال هذا يشبه حال من قال الله فيهم: { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدّقن ولنكونن من الصالحين ، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون} التوبة: 75-76 وأما نكران الجميل مع الناس فله عدة صور من بينها: - نكران الزوجة جميل ومعروف زوجها رغم ما يبذله من جهد وتعب لإسعادها وتوفير ما يسعدها ويريحها، فإذا قصر دون قصد في أمر معين لأي سبب كان، أو علا صوته وبدا ضيق الصدر في أي موقف، استشاطت غضبا ونسيت كل معروف قدمه لها وقالت: ما رأيت منك خيرا قط!!.. وهناك أزواج كُثُر أيضًا ينكرون جميل زوجاتهم ووقوفهن بجوارهن لسنوات طوال وتحملهن أعباءً جساما ابتغاء مرضاة الله ثم مرضاتهم، ، ومع ذلك يتناسون أثناء أي خلاف كل ذلك ويرصدون لهن الأخطاء والهفوات ويغفلون الحسنات!.. - نكران جميل الوالدين: فهناك الكثير من الأبناء الجاحدين العاقين الناكرين جميل والديهم، رغم ما بذلوه من وقت وجهد ورغم ما تكبدوا وعانوا من صعاب أثناء تربيتهم وتعليمهم!.. فكم من أم مات زوجها في سن مبكرة إلا أنها صبرت واحتسبت وكافحت وسهرت بمفردها لترعى وتربي وتعلم ابنها ليكون شخصاً صالحا لينفع نفسه وبلده ، وما إن ييسر الله له طريقه إلى النجاح والتفوق والغِنى ينساها ولا يحفظ لها معروفها وأفضالها الكثيرة عليه، بل والأدهى أنه في بعض الأحايين يهملها ولا يصلها ويفضل زوجته عليها!!.. وفي المقابل هناك آباء وأمهات مهما أحسن إليهم أبناؤهم وقدموا لهم ما يسرهم ويكفيهم وزيادة، إلا أنهم يتناسون كل ذلك وتكثر شكواهم أمام القريب والغريب بأن أبناءهم غير بارين ولا يقومون بواجبهم نحوهم!!..
لنكران الجميل آثار سلبية وعواقب وخيمة منها: - أنه من زوال النعمة بعد حصولها. - يجلب الشقاء ونكد البال وسوء الحال. - يقطع الأواصر بين الناس ويولد الكراهية والضغائن. - تخلي الناس عن ناكر الجميل وخاصة إذا احتاج إلى المعونة.
اللهم اجعلنا ممن يحفظون المعروف والفضل ويقابلون الإحسان بالإحسان ولا تجعلنا ممن ينكرون الجميل ويكفرون بالنعم .. آمين يا رب العالمين. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.