نحتار في تصديق منظومة الشعارات الكثيرة والمتعددة، التي لا تتواني كثير من الأوساط الرسمية والأهلية بالعالم في ترديدها علي مسامعنا في كل مناسبة، وحتي من دونها، والتي تحاول إقناع العالم بمصداقية جهودها المرتبطة بمحاربة أسباب ومظاهر الفقر والعوز في العالم، أو المتعلقة بإصلاح التعليم في الدول المحتاجة لذلك، أو التي تهم تحقيق التنمية في دول المعمورة بما يحقق المساواة في العيش الكريم بين جميع سكان البسيطة، بغض النظر عن لونهم أو عرقهم. ونعلم أن التسويق لكل هذه الشعارات يحتاج إلي ما يحتاجه من مبالغ مالية مهمة، ليحقق أعلي مستويات الانتشار في العالم بهدف التعتيم علي الأهداف الحقيقية لطبيعة العلاقات الدولية السائدة. أحد أهم محاور قياس صدقية السياسات الدولية في تعاملها مع الحاجات الإنسانية، المتمثّلة في التنمية والمساواة وتمكين البشرية جمعاء من الحقوق المتضمنة في المواثيق الحقوقية الدولية، التي صاغها المجتمع الدولي، والتي لا تتواني القوي العظمي في الدفاع عنها يتمثل هذه المرة فيما كشفته مضامين تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) لسنة 2018، والذي نشر قبل أيام قليلة، حيث يسجل هذا التقرير أن »الإنفاق العسكري بلغ عام 2018 أعلي مستوي له منذ ثلاثة عقود»، وقدر التقرير الجديد تكلفة الإنفاق العسكري في السنة الماضية 2018 بما قدره 1،8تريليون دولار، بما يعني زيادة في حجم هذا الإنفاق وصلت نسبتها إلي 2،6 بالمائة مقارنة مع السنة التي سبقتها. ومهم أن نثير الانتباه إلي الإشارة الدالة، التي وقع الحرص علي تضمينها في التقرير الجديد، والتي تفيد بأن نصيب كل فرد علي مستوي العالم من المبلغ المالي الإجمالي الذي خصص لتمويل الإنفاق العسكري في السنة الماضية وصل إلي 239 دولارا للشخص الواحد. وهو مبلغ مقدر ومهم، ولإدراك أهميته تكفي الإشارة هنا إلي وجود 45 دولة في العالم يقل فيها دخل الفرد عن300 دولار للشخص الواحد سنويا، وتوجد دول يقل فيها الدخل الفردي السنوي عن 200 دولار للشخص الواحد، وفي هذه الإشارة امتحان قوي لمصداقية الخطاب الدولي، الذي يروج لأطاريح كثيرة وبرامج متعددة، يقال إن الهدف منها يتمثل أساسا في تحسين شروط وظروف عيش الساكنة في العالم، وها نحن نعاين أن الجهود المالية المبذولة من أجل التسلّح والاستعداد للحرب تتجاوز بكثير حاجيات البشرية من الطعام والتعليم والصحة والسكن وغيرها كثير. ومن الدلائل التي حفل بها التقرير أن الدول العظمي التي توجد بها منظمات دولية وإقليمية متخصصة في الدفاع عن حقوق الإنسان، هي التي احتلت المراتب الأولي في حجم الإنفاق العسكري علي مستوي العالم، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي صرفت خلال السنة الماضية ما قدره 649 مليار دولار لضمان استمرار ريادتها كقوة عسكرية عالمية، بزيادة وصلت نسبتها إلي 4 بالمائة عما صرفته لنفس الغرض سنة 2017، وهذا يعني أن إجمالي الإنفاق العسكري الأمريكي بلغ سنة 2018 ما نسبته 36 بالمائة، مما يعني أيضا -حسب التقرير- أن إدارة الرئيس ترامب أنفقت علي التسلّح خلال سنة واحدة مجموع ما أنفقته الدول الثماني من الكبار الموالية لها في قائمة الدول الأكثر إنفاقا في العالم علي التسلّح، ويتعلق الأمر بدول حاضنة للشعارات الحقوقية الكونية، من قبيل بريطانيا وفرنسا واليابان وألمانيا، إضافة إلي كل من الصين وروسيا وكوريا الجنوبية، ولنا أن نسجل أن حجم الإنفاق العسكري للدول، التي احتلت المراتب العشر الأولي في تقرير معهد ستوكهولم تجاوز 60بالمائة من مجموع الإنفاق العالمي علي التسلّح خلال السنة الفارطة. ولم تغب المنطقة العربية، التي تعرف خصاصا فظيعا في جميع مجالات التنمية المستدامة، علي احتلال مواقع متقدمة في لائحة الدول المهووسة بالتسلح، حيث أورد التقرير أن ست دول من بين الدول العشر التي يمثل فيها الإنفاق العسكري الجزء الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي، والذي يطلق عليه أيضا (العبء العسكري)، تقع في منطقة الشرق الأوسط، وأن متوسط (العبء العسكري) بلغ في هذه المنطقة ما نسبته 4، 4 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي. والأكيد أن الأوضاع الملتهبة في العديد من مناطق جغرافية من العالم العربي تفسر هذا التركيز المهول علي الإنفاق العسكري، خصوصا في اليمن وسوريا وليبيا والعراق. نعود للحديث عن الوجه الآخر لنفس العملة، إذ حسب المراجع الدولية فإن الفقر ليس إلا عدم قدرة الفرد علي امتلاك احتياجات الحياة الأساسية، سواء تعلق الأمر بالطعام أو السكن، أو التعليم، أو الصحة، أو الملبس، وعدم استفادته من العدالة الاجتماعية، والدول الفقيرة ليست إلا تلك التي قال البنك الدولي بأن دخل الفرد الواحد فيها يقل عن 600 دولار أمريكي، وحينما تسرع الاقتصادات العظمي في العالم، نحو تخصيص ما يسد رمق الملايين من البشر لتكريس تفوقها العسكري، بما يؤشر علي استعدادها المتواصل من أجل تحقيق الدمار والإبادة، فإننا ندرك حجم النفاق، الذي يسود العلاقات الدولية الراهنة. فالعالم الذي يسوق فيه لقيم التضامن والتآزر والتآخي والتكامل بين الشعوب، ويروج فيه لجهود الأقوياء لإسعاف الجزء الذي لم ينل حظه من العيش الكريم، هو نفس العالم الذي يخصص المبالغ المالية المهولة لضمان التفوق العسكري،الذي يهدد مستقبل البشرية جمعاء. • نقيب الصحفيين المغاربة