لا أحد يُنكر سيطرة المشاعر علي النفس البشرية سيطرةً كلية، وتأثيرها الواضح عليها وتحكمها الشديد في مجريات أمورنا وسلوكياتنا. ويمر الإنسان يوميا بحزمة مُكثفة من المشاعر، سواء مشاعر سعي القلب بكل قوته علي فرضها علي النفس فرضاً، أو مشاعر ألزَمَ بها العقل الجسد كله متحديا القلب ومعلنا نفسه الحاكم الآمر علي الجسد، بعد أن استعاد بصعوبة بالغة، زمام الأمور من القلب والتي كادت تصرفاته أن تودي براحة النفس أو تقضي علي سلامها في بعض الأحيان. وأستطيع أن أحصر معظم المشاعر التي قد تمر بالإنسان في ثلاثة أركان وهي، الألم واللذة والإرادة. وإن تحدثنا عن مشاعر الألم، فلن تُسعفني الكلمات، ولن تكفِ السطور، ولن يقوي القلم علي سرد أعراض وتفاصيل الآلام، فيخر ويسقط قبل أن يتم مهمته. أما مسببات الألم فكثيرة، فكل ابتلاء مرّ علي إنسان، سبّب له ألما، وعلي حسب شدة الابتلاء يأتي الألم. فمشاعر الألم تأتي من ابتلاء، وغرض الابتلاء هو الاختبار، أم نتيجة الاختبار فلا تخرج عن احتمالين إما الرسوب أو النجاح. أما الابتلاء نفسه فأُصنفه علي أنه حرمان للنفس من نعمة أو فضل عظيم بغرض اختبارها هل ستتحمل الحرمان أم لا؟ وإلي متي؟. والأمثلة عديدة، وليس منا أحد لم يجرب الابتلاء، أو ذاك الحرمان وما يستتبعه من آلام، كحرمان من الصحة (المرض) أو حرمان من (السعادة) أو حرمان من (رغد العيش) أو حرمان من الأبناء والآباء، وأنواع الحرمان كثيرة. أما مشاعر اللذة فأيضا كثيرة، وتشمل تقريبا معظم النعم أو بمعني أدق الفتن والشهوات، وهي كذلك اختبارات، يغرق فيها المرء إن فُتن بها. والأمثلة أيضا كثيرة كالعافية والمال والسلطة والجمال والأولاد والشهرة والفخر بالأنساب وغيرها الكثير، وكلها تحقق لصاحبها شعور اللذة المقترن بامتلاكها. أما الإرادة فأصنفها علي أنها السلاح القوي العنيد والتي تملكه النفس البشرية لتحقيق التوازن لها وتحمل شدة الآلام الناتجة عن البلاءات وأيضا التعامل الحكيم مع مشاعر اللذة وضبطها ضبطا دقيقا والنجاة بالنفس قبل سقوطها في بئر الفتن. ولكي تصبح الإرادة سلاح النفس والحائط المنيع ضد كل ذلك يجب أن يملأها الإيمان ويغلفها اليقين. وحقيقةً هذا دور النفس البشرية بالعقل والقلب معا، أن تقوم بدعم الإرادة ومدّها بكل أسباب قوتها وخاصة في فترات الرخاء، لكي تقوي وتنجح في الدفاع عن النفس بقوة في فترات البلاء مهما اشتد أو زاد أو علا، وإلا أصبحت الإرادة كسيحة ضعيفة لا تقوي علي شيء فتضيع النفس وتنهار.