في ملتقي النيل بالبحر تقع عزبة البرج، منطقة من أجمل أماكن مصر، غير ان القادم من بعيد لا يعلم بالتفاصيل التي كشف عنها الباحث الدكتور محمد أحمد غنيم بجامعة الاسكندرية في كتابة البديع، »حكايات الصيادين« دراسة انثروبولوجية عن عزبة البرج التي يمثل الصيادون فيها أحد أوجه النشاط المهني الأصيل، كتب المقدمة دمياطي أصيل هو السفير عبدالرءوف الريدي الذي يذكرنا بالمبدع الكبير عبدالفتاح الجمل والذي كشف لنا عن ثراء قرية المحب بمركز فارسكور، ورغم قربها إلا ان العالمين مختلفان تماما. يمكن القول ان الكتاب أدق ما قرأت عن خبايا عالم الصيادين، ليس ما يتعلق بخبراتهم فقط. ولكن بالنسبة للموروث الثري من الحكايات والعادات، كذلك اللغة الخاصة بهم وبالطبيعة، خبرتهم بأنواع السمك وعاداته وعلاقته بالبحر والطقس، يقول أحدهم والله الرزق له مواعيد، وفي الشتاء الخير يبقي قليل والحال واقف، وفي الصيف الشغل كتير والحال ماشي. وبالنسبة لشهر سبعة بيكون الصيد بعد الوقوف بيكون الربح كتير والشغل كثير، يقول صياد آخر: في الصيف بنشتغل علي الطازة، يعني اللي بنصيده نبيعه في نفس اليوم، يقول آخر: الرياح أنواع ريح براني، قبلي، شرقي، سماوي أو سمي، لبش، شلوق، الريح البراني بتكون ريح خفيفة، والسمك بيكون فيها كتير، والريح الشرقي: مبيتمسكش فيها سمك لأنه ريح قوي.. الامطار تمنعهم من الخروج، غير ان الخطر من النوات، انها تمنع الرزق عن الصيادين..، الكتاب ينبض بالتفاصيل الممتعة في عالم البشر في عزبة البرج بأغنيائهم وفقرائهم، أصحاب المراكب والعاملين عليها. أيضا خبرة البشر بالاسماك وعاداتها ومواسم هجراتها والطرق التي تسلكها في البحار. تذكرت الحاج عبده فرج - رحمه الله - في الاسكندرية الذي كان عالما بالاسماك، للصيادين مشاكلهم، ليس للحكومة دور إلا المراقبة والتفتيش وجمع الضرائب، في الكتاب دراسة دقيقة للوضع القائم ولما يجب ان يكون، في الجزء الأخير وصف أدبي جميل لحياة الصيادين في البر والبحر سواء القريب أو البعيد، الصيادون هنا يبحرون الي سواحل دول مجاورة بحثا عن السمك، يقول احدهم نصحي من النوم فجرا، نصلي، ولو كان فيه سفر نسافر ونعد بالعشرة أيام. ومعانا أكلنا وشربنا ورزقنا ورزق عيالنا علي الله.. الكتاب ثري ويكشف عن جزء صغير من مصر شديدة الثراء التي لا يعرفها المصريون. صدر عن دار العبد التي يديرها المؤرخ الدكتور قاسم عبده قاسم، تحية للمؤلف الباحث محمد احمد غنيم ونأمل في اكتشافه لمناطق أخري من وطننا الجميل.