ضياء داوود: التمديد للحكومة الحالية يتجاوز حدود المنطق واستقرار البلاد    وزير العمل يلتقي مُمثلي شركات إلحاق عِمالة موسم حج 2024    إطلاق اسم الشيخ محمد رفعت على المسابقة العالمية الحادية والثلاثين للقرآن الكريم    مؤتمر "العلم والإيمان" يجمع المجمع العلمى والأزهر والإفتاء والكنيسة الأسقفية على مائدة واحدة    «بنك مصر» شريكًا استراتيجيًا ومستثمرًا رئيسيًا في مشروع بالمزاد أول منصة رقمية للمزادات العلنية في مصر    «المركزي» يمنح البنوك مهلة 6 أشهر لتوفيق أوضاعها في التعامل مع شركات نقل الأموال    البورصة المصرية.. «EGX30» يتراجع وحيدًا في منتصف التعاملات    وزير الري يتابع موقف المشروعات المائية وتدبير الأراضي لتنفيذ مشروعات خدمية بمراكز المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"    رئيسا البورصة المصرية والرقابة المالية يشهدان بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع    كارثة إنسانية جديدة ضد شعب فلسطين.. هجوم قوات الاحتلال على رفح الفلسطينية تحد صارخ لإرادة المجتمع الدولي.. سياسيون: مصر لن تتراجع عن جهودها في تفعيل الهدنة ولإرساء السلام    بيان مشترك..الصين وفرنسا تدعمان إنشاء دولة فلسطين المستقلة    تين هاج بعد رباعية كريستال بالاس: هذا فقط ما أفكر فيه    ضبط 4 أطنان أسماك ودواجن منتهية الصلاحية بالشرقية    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    دم المصريين خط أحمر| «السرب» ملحمة وطنية تليق بالفن المصري    أمين الفتوى يحذر من فوبيا جديدة منتشرة (فيديو)    محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية بالقرى    الكبد الدهني.. احذر هذه الأعراض المبكرة    برلماني: الاستجابة للمقترح المصري طوق النجاة لوقف نزيف الدم    العراق تقدم مشروع قانون لحماية النازحين داخلياً فى الدول العربية    الأردن.. الخصاونة يستقبل رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للمملكة    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    هل يشبه حورية البحر أم الطاووس؟.. جدل بسبب فستان هذه النجمة في حفل met gala 2024    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    بأمريكا.. وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلاً غنائيًا    أوكرانيا تعلن القبض على "عملاء" لروسيا خططوا لاغتيال زيلينسكي ومسؤولين كبار    مسؤول إسرائيلي: اجتياح رفح يهدف للضغط على حماس    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    وزير الصحة يتفقد مستشفى حروق أهل مصر.. ويؤكد: صرح طبي متميز يٌضاف للمنظومة الصحية في مصر    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    جمهور السينما ينفق رقم ضخم لمشاهدة فيلم السرب في 6 أيام فقط.. (تفاصيل)    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    ضبط نصف طن أسماك مملحة ولحوم ودواجن فاسدة بالمنيا    تريلا دخلت في الموتوسيكل.. إصابة شقيقين في حادث بالشرقية    «تعليم القاهرة»: انتهاء طباعة امتحانات نهاية العام الدراسي لصفوف النقل.. وتبدأ غدًا    سعر الأرز اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في الأسواق    عاجل:- التعليم تعلن موعد تسليم أرقام جلوس امتحانات الثانوية العامة 2024    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    لاعب نهضة بركان السابق: نريد تعويض خسارة لقب الكونفدرالية أمام الزمالك    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هو وهي
عبدالرءوف الريدي‏....‏السهل الممتنع
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 01 - 2011

كان التوقيت عيد ميلاد مجلة‏'‏ نصف الدنيا‏'‏ الحادي عشر الذي لبي فيه العديد من شخصيات المجتمع البارزة دعوتنا لكتابة وجهة نظرهم فيما نقدمه من صحافة‏,‏ وكانت الرؤية الفنية للزميل القدير عادل صبري سكرتير التحرير. أن تذيل كل شخصية رأيها في الصفحات بتوقيعها الشخصي لإضفاء المزيد من المصداقية علي الاحتفالية‏..‏ ولما كان السفير عبدالرءوف الريدي إحدي قمم ضيوفنا فقد سارعت بطلب توقيعه فلبي الحضور بأريحية رغم مشاغله ليوقع باسمه علي ورقة بيضاء ويسرع بالمغادرة‏..‏ و‏..‏تنبهت فجأة والورقة البريئة في يدي إلي حجم المسئولية التي تركها علي عاتقي بثقته البالغة وطيبة قلبه البالغة أيضا في ترك إمضائه يذيل مساحة ناصعة البياض تصلح لكتابة أية سطور فوق توقيعه فيها‏..‏ و‏..‏سارعت مرة أخري أطلبه وأتعجله وأشكره وأعتذر له وألومه وألوم نفسي وأعيد إليه توقيعه الأصلي من بعد تصويره‏,‏ ويغادرنا سيادة السفير بنفس التلقائية والبساطة والسماحة والشموخ ليعيد للذاكرة المقارنة أكثر من توقيع مماثل له كانت قيمتها بالمليارات والملايين‏,‏ إحداها بمائة مليون دولار عندما كان سفيرا لمصر في أمريكا وقام مع ويلي وينبهانز نائب رئيس البنك الدولي بتوقيع اتفاقية بمائة مليون من البنك كقرض لتمويل واردات لمصر من معدات البناء والتشييد‏,‏ وكانت له الأيادي البيضاء في توقيعات إلغاء الديون الأجنبية وأهمها الديون العسكرية الأمريكية التي كانت تكبلنا وعبئا ثقيلا علي عاتقنا‏,‏ وفي طرف عام واحد فقط من بعد‏92‏ يقفز احتياطي البنك المركزي من عدة مئات من ملايين الدولارات إلي عشرين مليارا‏...‏ وقتها‏!!‏
السيد عبدالرءوف الريدي‏..‏ هكذا الاسم في شهادة مولده في‏2‏ يوليو‏1932‏ بقرية عزبة البرج الساحلية الواقعة عند مصب النيل بفرع دمياط تبركا بالسيد البدوي وإعرابا عن فرحة الوالد القصوي بقدوم الابن الذكر من بعد أربع بنات‏,‏ ولولا تدخل الشيخ فرغلي عميد المعهد الديني بدمياط بنصيحته بإضفاء الاسم المركب‏'‏ عبدالرءوف‏'‏ لأصبح لقب سفيرنا‏'‏ السيد السيد السيد شعبان‏'‏ وذلك بعد قدوم الثورة وإلغاء جميع الألقاب لتسبق‏'‏ السيد‏'‏ جميع الأسماء‏..‏ ومن بعد حكاية ورواية طويلة في‏'‏ رحلة العمر‏'‏ الصادرة في ملحمة مذكراته التي قدمتها دار نهضة مصر من الصمود والتحصيل والاختبارات والنجاحات والرئاسات والعلاقات والعهود والحروب والمصادفات و‏..‏الحظ‏..‏ ينتقل السيد من جلسته طفلا علي الأرض حول منقد الفحم يلتقط من والده الحاج شعبان القبطان وصاحب أسطول صيد السردين حبات أبوفروة الناضجة فوق الجمرات‏,‏ ويقبع من خلفه ساعات فوق المقعد الخيرزان يعاونه في شئون المحل الذي يعرض بضاعته في كل ما يتعلق بالبحر من ألواح الصواري إلي الخطاطيف والجنازير إلي أقمشة الشراع إلي الجاز الحاصل علي امتيازه من شركة سوكوني فاكوم‏..‏ وينتقل السيد صاحب الرحلة المتفردة علي أرض مصر وعواصم العالم بقدرة القادر وجهد صاحبها إلي الجلوس مع رؤساء الدول والجمهوريات وساسة العالم مبعوثا وسفيرا ومندوبا دائما لمصر في الأمم المتحدة وجميع تنظيماتها الدولية‏.‏ ويتضح لنا جليا ونحن نلهث من خلفه نعيش صدق وحرارة سطور رحلته أن أيامها ودقائقها وأحداثها تسير وتتوازي وتتداخل وتعانق تاريخ مصر الحديث منذ أن كان طفلا يلهو علي شاطئ رأس البر المدينة الصيفية التي كانت تشيد العشش فيها صيفا من بداية يونيه حتي نهاية أغسطس حين تصل مياه الفيضان المحملة بالطمي فيغدو الاستحمام في البحر غير مرغوب فيه لتظل رأس البر ولسانها أرضا منبسطة يغسلها البحر من بعد تفكيك العشش وتخزينها علي شاطئ نهر النيل في منطقة الجربي‏,‏ وتتطلع الطفولة بخشية إلي رجال الهجانة من خلف كوردون الحبال التي تحيط بفندق كريستال بالاس أول فندق يبني في عزبة البرج لإلقاء نظرة علي الملكة نازلي أم فاروق وبناتها شقيقات الملك اللاتي نزلن بالفندق عام‏42‏ ليقام لهن شاطئ خاص ما بين عزبة البرج وبورسعيد أمام الفنار‏..‏ ويلقي تلميذ الثانوي بطربوشه رمز العهد العثماني تبعا لأصداء مظاهرات الطلبة في‏46,‏ ويكتب مع المتظاهرين علي الجدران كلمة‏'‏ الجلاء‏evacuation'‏ ويجلس علي قهوة دعيدر بسوق الحسبة عام‏1951‏ يستمع إلي مقولة النحاس الشهيرة التي وجهها إلي ممثلي الأمة‏:‏ باسم مصر وقعت معاهدة‏36‏ وباسم مصر أطالبكم اليوم بإلغائها‏..‏ ويعيش حياة طلبة الجامعة في شقة بشارع خان أبوطاقية خلف مسجد الحسين يتلقي من الوالد شهريا حوالة بريدية بمبلغ اثني عشر جنيها علي مكتب بريد الجمالية بمنطقة الخرنفش الذي كان علي رأسه عبدالناصر حسين والد جمال عبدالناصر المقيم بالمنزل رقم‏3‏ حارة خميس العهد‏,‏ ويتردد بين الانضمام للوفد والحزب الاشتراكي ليستقر علي الاشتراكي معجبا بأحمد حسين رئيس الحزب الذي نشر في جريدة الاشتراكية علي صفحتين لقطات لبؤس الشعب تحت عنوان مثير هو رعاياك يا مولاي خاصة بعدما استقرأ في مجلة الحركة الشيوعية الملايين أنها لا تهاجم الصهيونية‏,‏ ولم يشعر أبدا بتعاطف مع حركة الإخوان‏..‏ و‏..‏نعجب معه براهبي السياسة الشبيهين داج همرشولد السكرتير العام للأمم المتحدة الصوفي الذي خصص قاعة صغيرة في المبني العالمي للعبادة ليذهب إليها أي فرد للصلاة بغض النظر عن ديانته‏,‏ والذي كان ايزنهاور يطلق عليه مقولته‏'leaveittoDag',‏ والدكتور محمود فوزي نجم الدبلوماسية المصرية ووزير الخارجية الذي مارس عمله الدبلوماسي وكأنه يمارس رياضة روحية‏,‏ وكانت الرسائل المتبادلة بين الراهبين نموذجا للأدب الرفيع‏,‏ وفي تشابههما قال كريشنامنون السياسي الهندي الشهير‏:‏ إن فوزي هو همرشولد المصري‏,‏ وهمرشولد هو فوزي السويدي‏,‏ وقد أدت صلاتهما القوية إلي إفشال العدوان الثلاثي الذي وقع علي مصر عام‏56...‏ ويصحبنا الريدي معه إلي فندق مينا هاوس لعقد المؤتمر التمهيدي للسلام في عام‏77‏ الذي لم يسفر عن أي اتفاق بينما يتأخر روزين المستشار القانوني للخارجية الإسرائيلية وقتها عن الموعد المحدد للاجتماع معتذرا بأن سبب التأخير يرجع إلي أن الوفد الإسرائيلي ذهب إلي خان الخليلي في زيارة سياحية‏,‏ وأن أصحاب المحلات هناك وأهل المنطقة بصفة عامة استقبلوهم استقبالا حارا وقدموا إليهم الشاي والمشروبات رافضين أخذ ثمن الأشياء التي اشتروها‏!!..‏ ونحزن معه لرؤيته للإسرائيليين يتجولون في حدائق مينا هاوس بينما الأنباء تتوالي عن تدهور العلاقات بين مصر والعرب‏..‏ و‏..‏نشفق عليه في مهمته الدبلوماسية الواجبة بحكم موقعه للسفر إلي القدس في‏16‏ يناير‏78‏ في طائرة السادات متمنيا قبل صعوده إليها لو أن حادثا يقع له يحول بينه وبين الرحلة الكئيبة‏,‏ وينصح أحمد الزنط مدير إدارة المعلومات بالخارجية وقتها بعدم لقاء الصحفي الإسرائيلي المدعو شلومو الذي اتصل به في غرفته بفندق هيلتون موضحا له بأنها رحلة غاية في الحساسية ولم تزل أبعادها في عالم الغيب‏,‏ ويتضح أن الموضوع كله كان نوعا من الدعابة السوداء‏,‏ وأن الذي اتصل بالزنط هو عمرو موسي ومعه أسامة الباز‏!!..‏ ويرفض الريدي مع رجالات الخارجية المصرية ارتداء الطاقية اليهودية التقليدية السوداء عند مشارف المسجد الأقصي في مواجهة حائط المبكي ليذهبوا بعدها للصلاة في ثالث الحرمين‏..‏ و‏..‏نشفق عليه من غضبة السادات عندما قرر ضمن وفد الخارجية الذي أطلق عليه السادات تسمية أولاد الخارجية وهم محمد إبراهيم كامل والريدي وأسامة الباز ونبيل العربي وأحمد ماهر وأحمد أبوالغيط مقاطعة حفل توقيع اتفاقية كامب ديفيد في البيت الأبيض لتظهر مقاعدهم أمام كاميرات العالم شاغرة‏..‏ و‏..‏حاولنا معه تفهم تعجل السادات لكامب ديفيد بأنه كي لا يفقد قوة الدفع التي نتجت عن حرب أكتوبر لتفادي حدوث حرب أخري بعد خمسة وعشرين عاما من الحروب‏,‏ ولكي يتفرغ لترتيب البيت المصري من الداخل‏,‏ وإعادة الحياة إلي منطقة القناة‏..‏ و‏..‏استوعبنا معه قول فلاح كفر شكر الذي دعاه الريدي للركوب إلي جواره في طريق عودته للانضمام للأسرة في رأس البر عندما سأله عن رأيه في اتفاق كامب ديفيد وفيما إذا كان كويس ففوجئ برد الرجل البسيط‏:‏ هو كويس بعقل يا بيه؟‏!‏ الحمد لله إن الريس نجح فيه فعاد الريدي لسؤاله عن السبب‏,‏ فأجاب‏:‏ يا بيه حنرجع أرضنا‏..‏ والبترول‏..‏ وبعدين كفاية حروب‏,‏ وماذا عن فلسطين؟ فأجاب‏:‏ احنا يا بيه عملنا اللي نقدر عليه في موضوع فلسطين والمشكلة مش باين لها حل‏..‏ و‏..‏نتحفظ هنا علي رأي السيد عبدالرءوف الريدي القائل والمكتوب بأن‏:‏ السادات لم يكن في قرارة نفسه مؤمنا بفكرة القومية العربية التي تملكت عبدالناصر‏..‏ وأن ناصر كان يخاطب الجماهير من خلال حلم كبير‏,‏ وهو أمر لم يكن السادات يأبه به كثيرا‏,‏ فقد كان حلمه هو استعادة أرض مصر‏,‏ وإخراجها من دوامة الصراع‏,‏ ومن فلك الاتحاد السوفيتي‏,‏ والعودة بها إلي أحضان علاقتها السابقة مع الغرب‏..‏ و‏..‏نوافقه ونبصم بالعشرة علي أن الدكتور أسامة الباز المستشار السياسي لكل من الرئيس عبدالناصر والرئيس السادات والرئيس حسني مبارك الذي لعب أهم الأدوار في ملف العلاقات المصرية الأمريكية‏,‏ وعندما أراد السادات تعيينه وزيرا للخارجية اعتذر بأدب مفضلا حياة البساطة وتناول فول التابعي وساندوتش محل نجف وركوب المترو‏..‏ نوافقه في أنه لم يأخذ حقه من تكريم الدولة له‏,‏ لكنه يظل يحتل في قلوب الناس خاصة من عرفوه عن قرب مكانة لا تعلوها مكانة أخري‏..‏ وأجد في سطور مذكرات السفير جذورا لأغنيتنا الوطنية التي ختمت بها المطربة شادية مشوارها الغنائي الجميل عندما تضرب بقدمها الأرض‏,‏ لتهتز خصلة الشعر الأشقر فوق الجبين في قولها الحماسي‏:‏ ماتقولشي إيه اديتنا مصر‏..‏ نقول هاندي إيه لمصر؟ من كلمات الزميل الشاعر مصطفي الضمراني‏,‏ وذلك في قول جون كيندي في خطاب تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة من بعد ايزنهاور‏,‏ الذي جاء فيه لا تسألوا عما يمكن لبلدكم أن يقدمه لكم‏,‏ اسألوا عما يمكن لكم أن تقدموه لبلدكم؟‏!!!..‏ونضع أيدينا معه علي قلوبنا من هاجس السؤال حول باكستان التي كان يوما سفيرا لمصر فيها عام‏79‏ داعيا الشيخ عبدالباسط عبدالصمد لتلاوة القرآن الكريم تلبية لرغبة رئيسها ضياء الحق الذي لم يقطع علاقته بمصر رغم الضغوط العربية قائلا‏:‏ لا أستطيع أبدا أن أكون الرئيس الذي يقطع علاقات باكستان بلادي مع مصر‏..‏ الهاجس من أن باكستان الآن أصبحت دولة نووية لديها السلاح النووي ولديها الصواريخ البعيدة المدي‏,‏ فهل يمكن أن تقع هذه الأسلحة يوما في أيدي الجماعات الإرهابية؟‏!!‏ الجماعات التي شجعتها أمريكا يوما وعلي رأسها كارتر تخوفا من بسط النفوذ الشيوعي أثناء الحرب السوفيتية الأفغانية واستقبل قادتها رونالد ريجان في البيت الأبيض مطلقا عليهم لقب أبطال‏freedomfighters!!!‏
الريدي‏..‏ الصديق الشخصي لكل من بوش الأب‏,‏ ومادلين أولبرايت‏,‏ والسناتور دان كول‏,‏ وريتشارد نيكسون الرئيس الأمريكي السابق الذي حرص السفير المصري علي زيارته في مكتبه الصغير في شارع وول ستريت في نيويورك ليجد فوقه مكتبا للهجرة يعج بطوابير الأمريكيين‏,‏ ويسأله نيكسون عن كتاب للفيلسوف العربي ابن رشد لأنه أشد المعجبين به‏,‏ ويرسل نيكسون للريدي خطاب شكر وامتنان علي زيارته له في مكتبه المتواضع جدا‏..‏ الريدي المتنبئ بقدوم الأمريكي من أصل أفريقي لمقعد الرئاسة الأمريكية من قبل أي بادرة سطوع لنجم أوباما‏,‏ ومن هنا كان أسلوب عمله كسفير في التسعينيات توطيد الصلات بالمجتمع الأمريكي ذي الأصول الأفريقية‏,‏ وكان أن قام بدعوة رون براون وزير الاستثمار الأمريكي‏,‏ والقس جيسي جاكسون إلي مصر‏,‏ وصاحب عددا من أعضاء الكونجرس من الأفارقة الأمريكيين للقاء الرئيس مبارك‏,‏ وقامت زوجته السيدة فريدة الريدي بمصاحبة وفد الأمريكيات السود للمؤتمر الذي عقد في‏3‏ يوليو‏89‏ لتقوم السيدة سوزان مبارك بإلقاء كلمة الافتتاح‏..‏ وكان القس جاكسون يعد من طليعة حركة تقدم الأمريكيين السود خاصة في الحزب الديمقراطي‏,‏ حيث لم يكن في الكونجرس أسود واحد من عشرين عاما وقتها‏,‏ وفي حفل أقامه الريدي عام‏89‏ في منزله قال القس جاكسون إنه بعد خمسين عاما سيكون نصف الشعب الأمريكي من العالم الثالث‏..‏ أي من أصل أفريقي أو إسباني أو عربي أو لاتيني أو آسيوي‏..‏ الخ‏..‏وأحدث الأنباء ان الامريكية فريال المصري ذات الجذور السعودية التي كان يعمل والدها مطوفا رشحت نفسهاهذا الأسبوع لمنصب العمدة في ولاية كاليفورنيا‏.‏
الريدي‏..‏ الدبلوماسي العتيد دارس القانون في حقوق القاهرة عام‏54..‏ الحاصل علي الماجستير في القانون الدولي والعلوم السياسية من جامعة كولونيا عام‏60..‏ الممارس للعمل الدبلوماسي علي مدي‏37‏ عاما‏..‏ السفير بدرجة امتياز لبلاده في باكستان وواشنطن‏..‏ عاشق التاريخ الضارب بهواية التجوال في أرض مصر ليجد متعته في دراسة كل شبر فيها‏,‏ ويبلغ حزنه مداه في أن يحيا مصريون كثيرون ويموتون دون الذهاب لمشاهدة الأهرامات بمفهومه أن مصر ليست القاهرة فقط بل إن مصر سيوة والواحات وأسوان والأقصر ودمياط وسائر الأقاليم‏,‏ رغم قول جمال حمدان من أن القاهرة رأس كاسح وبقية المحافظات جسم كسيح‏..‏ السفير الإنسان الذي يري أن السياسة لا تكون فاسدة ومفسدة إلا إذا كانت ممارستها نوعا من الضرب تحت الحزام‏..‏ رجل الخارجية الذي يفرق بين الدبلوماسي والسياسي‏,‏ بأن الأول ينفذ سياسة بلده وهو يفهمها ويتفهمها ويقتنع بها ثم يحاول أن يقنع بها الآخرين‏,‏ وكلما كانت قدرته علي الإقناع أكبر كانت قيمته كسفير ودبلوماسي أعلي وأجدي‏,‏ بينما السياسي يصنع سياسته بناء علي الرؤية التي ينقلها إليه الدبلوماسي‏..‏ ولابد من الاعتراف بأن السفير ليس صانع سياسة وإنما هو الرجل الذي يبقي تحت الأضواء ويري العلاقات بجميع تفاصيلها ويعمل علي تجميع زوايا الصورة وينقلها إلي عاصمة بلاده‏,‏ وأبدا لا يستطيع الدبلوماسي الفصل بين رأيه الخاص والعام‏,‏ وحتي إذا نفي قبل بداية حديثه صلة كلامه بالصفة الرسمية فلن يصدقه أحد‏,‏ وقد يعتبرون النفي إثباتا أو تأكيدا لما يريد أن ينفيه‏..‏ وفي العصر الحالي أصبحت الشعوب خاصة في الدول الغربية طبعا تشارك في الحكم‏,‏ ومن هنا لابد فيها للسفير من السعي إلي القاعدة الشعبية لمخاطبتها حتي يكون استقبالها لاسم بلاده إيجابيا‏..‏ والمندوب الدائم لدي الأمم المتحدة يعد سفيرا لدي كل دول العالم تقريبا‏,‏ فالموقع يكسب صاحبه نظرة دولية وليست ثنائية فقط‏,‏ وفي نطاق موقعه يتعامل مع‏159‏ دولة لكل منها اتجاهاتها الخاصة‏,‏ ومن له حق إلقاء الكلمة من فوق منبر الأمم المتحدة هم رؤساء الدول إلي جانب السفراء ورؤساء المنظمات السياسية الدولية‏,‏ وقد وقف فوق هذا المنبر كل من الرؤساء عبدالناصر والسادات ومبارك وريجان‏...‏ ويقودنا أمير أمراء الدبلوماسية المصرية في دهاليزها وخفاياها لنتعرف علي مصطلح الغموض البناء ومعناه صياغة عبارات مقنعة ملتفة بالغموض لتجاوز مشكلة معينة‏,‏ وحتي هذا التجاوز للمشكلة قد يتسبب في خلق مشكلة أخري‏,‏ وأشهر مثال علي ذلك القرار‏242‏ الخاص بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة‏,‏ فقد حدثت مشاكل كثيرة بسبب خلو النص الذي صاغه الإنجليز من أداة التعريف ال لكلمة الأرض الأداة التي وصفها سيبويه في اللغة العربية بأن دخولها علي معني يقوم بتعريف ما لم يكن معروفا قبل دخوله وهو ما حدث بالفعل وشاهد الريدي وقائعه كعضو في وفد مصر في مجلس الأمن عام‏67‏ بعد قراءة محمود رياض وزير الخارجية نص البيان الذي قام بكتابته له ليظل مشهد اللقطة الفاصلة محفورا في ذاكرته‏,‏ وذلك بعد توضيح المندوب الفرنسي رؤية فرنسا للقرار الذي ينص علي الانسحاب من الأراضي التي احتلتها إسرائيل بما يعني الانسحاب من كل الأراضي التي احتلت في الحرب إلي خطوط يونيو وكان ذلك ما يفيده نص القرار بالفرنسية التي لا تستطيع لغتها تفادي أداة التعريف‏.‏
ويتذكر الريدي وما أن انتهي المندوب الفرنسي من بيانه حتي رأيت أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل يكتب ورقة ويرسلها مع أحد أعضاء وفده إلي المندوب الأمريكي آرثر جولدبرج الذي ما أن تلقاها حتي أومأ للوزير الإسرائيلي بما يعني الموافقة علي طلبه منه‏,‏ وما هي إلا دقائق حتي يطلب الكلمة قائلا‏:‏ إن اللغة الرسمية للقرار رقم‏242‏ هي الإنجليزية وليست أي لغة أخري‏..‏ وبذلك ظلت حالة الغموض تكتنف قرار‏242‏ ليعين بعدها جولدبرج قاضيا بالمحكمة العليا الأمريكية‏!!!‏ وسلام علي سيبويه وأداة تعريفه التي تعود في اللغة العربية إلي القرن الرابع بعد الميلاد‏,‏ وبونجور وبونسوار للغة الفرنسية في مهب اللوبي الصهيوني الذي يستغل عقدة الذنب عند الجميع خاصة لدي أمريكا بالنسبة لما حدث لليهود علي أيدي النازي فيقولون لها‏:‏ انت كنت فين لما هتلر قتل‏6‏ ملايين يهودي؟‏!!‏
ابن عزبة البرج‏..‏ من ليس في قلبه إلا الوداد والاعتراف بالجميل‏,‏ ووضع هالة من نور فوق رؤوس أحبته‏,‏ ودراسة متأنية يقرأ فيها شخصيات أبطاله ورؤسائه وأساتذته وزملائه‏,‏ فنتعرف منه كمثال علي الدكتور محمد حسن الزيات الذي شغل يوما منصب وزير الخارجية الذي أهلته دراساته للحضارات الشرقية كي يلمع سفيرا لمصر في الهند لفترة ثلاث سنوات كانت فيها علاقات مصر بالهند علي أرفع مستوي‏,‏ ونجح الزيات رئيسا لهيئة الاستعلامات‏,‏ ومتحدثا رسميا باسم مصر مع الميديا العالمية‏,‏ ومندوبا دائما لمصر لدي الأمم المتحدة و‏..‏يظهر الزيات في برنامج تليفزيوني شهير في أمريكا مع بداية حرب أكتوبر ليسأله المذيع عما إذا كانت مصر واثقة من النجاح‏,‏ فلم يرد الزيات بشكل قاطع بل أجاب بأن مصر تخوض الحرب لأن حقها وواجبها يفرض عليها تحرير الأرض‏..‏ وكان القطع هنا واجبا كي لا تنقطع حبال الود مع القاهرة ليتحول الزيات وزير الخارجية الرسمي إلي متلق ومنفذ للتعليمات فقط‏,‏ بينما إسماعيل فهمي وزير الخارجية بالنيابة هو من يلتقي بالرئيس نيكسون الذي يقوم باستقباله استقبالا حارا وتوديعه حتي خارج البيت الأبيض وانتظاره حتي يستقل سيارته‏..‏ وكانت المصادفة الحزينة وحدها التي هيأت للزيات مغادرة موقعه في نيويورك بصورة كريمة‏,‏ حيث أبلغه السادات تليفونيا بوفاة حماة الدكتور طه حسين وبأنه قد أرسل إليه طائرة خاصة ستكون في مطار روما لحضور الجنازة‏...‏ ويرتدي الزيات جلبابه الأبيض علي شاطئ رأس البر ليتمشي مع الريدي يداعب المالح أطياف ذكرياته عندما كان مقربا للرئيس بوش الأب بعد عملهما كمندوبين دائمين لدي الأمم المتحدة في أواخر الستينيات‏,‏ ويعرف بوش بأمر مرضه فيأمر بعلاجه علي الفور بمستشفي أيزنهاور‏,‏ ويكلف طبيب البيت الأبيض الخاص بمتابعة حالته‏..‏ ويزور بوش مصر عام‏86‏ كنائب للرئيس ليطلب أن يكون الزيات إلي جواره في مائدة العشاء الرسمي الذي أقيم علي شرفه‏..‏ و‏..‏يرحل الزيات دون أن يكتب مذكراته التي كان سيكون فيها الكثير مما كان‏!!‏
السيد السفير الريدي‏..‏ تجمعني به رابطة القلب المفتوح فكلانا وضع يده علي قلبه توجعا ليرتق الطبيب العالمي لوب شرايين هذا القلب علي مائدة غرفة عمليات بعيدة في آخر الأرض بولاية كليفلاند الثلجية لنخرج من تحت يده نكمل مسيرة المشوار المكتوب علي الجبين بوهم استعذبنا تصديقه من أننا بقينا خلاص علي الزيرو‏..‏ وأتابع علي صفحات الأهرام مقالاته ليحملني زورق الكلمات الأدبية البليغة لشواطئ السياسة ودهاليزها فتتضح علي ضوئها الصورة التي تؤرجحها تصريحات الساسة‏,‏ وتطمسها العناوين المخاصمة بعضها‏...‏ وأستشعر رابطة صلة الدم الوثيقة لديه‏,‏ وله من الأشقاء والشقيقات ستة بعائلاتهم العريضة في عين العدو ليظل في العام الماضي بطوله مهموما مبتهلا وعلي وشك البكاء لمرض شقيقه يحيي الطويل‏,‏ وكانت فرحته غامرة لصدور كتاب شقيقته الكبري تركيان الريدي المطبخ الدمياطي حول الطهي الدمياطي الذي كان وراء تحفيزها لكتابة مادته بتلقائية ست البيت الدمياطية التي تشوح البطة البكيني الواقعة في رحلة الهجرة من الشمال في شباك بحيرة المنزلة شرق عزبة البرج في طاسة مدهونة زبدة وحشوها بالفريك والحبهان والبصل الأويرما والمستكة وورق اللورا وشعرة قرفة‏..‏
سي السيد الريدي‏..‏ خدعتنا بساطته حتي ظننا أننا ندهشه بإنجازاتنا المتواضعة‏..‏ خدعتنا تلقائيته حتي لم نعد نراعي في حضرته الحضور بالملابس الرسمية‏...‏ خدعنا حسن إنصاته حتي خدشنا أسماعه بلغو الكلام‏..‏ و‏..‏لكن لم تخدعنا صفحة وجهه الشغوف المنتبهة للمزيد لمعرفة كل جديد‏,‏ وصفحة قلبه التي وقع عليها جميع الأهل والأصدقاء والزملاء وأبناء عزبة البرج‏..‏ و‏..‏فريدة الوكيل‏..‏ شريكة رحلة العمر المثمرة من منحته لقب الأب للابنتين العالمتين ندي وسلمي‏,‏ ولقب الجد لأمين وكريم ويوسف وتيمور والتوءم نادية وياسمين‏..‏ البنات والأحفاد يسكنون بعيدا عن قاهرتهم بين قارتي أوروبا وأمريكا ويلتقيان معهم في رحلتي الشتاء والصيف وبينهما شهور المؤانسة والمجالسة مع الرفيق والصديق والسكن وعودة للبيت الكبير بزاد أخبار العمل العام المتشعبة لكليهما ومنها مكتبة مبارك والمجلس المصري للشئون الخارجية وجمعية الرعاية المتكاملة التي تشغل الزوجة منصب أمينها‏,‏ والتي أنشأتها وترعاها السيدة سوزان مبارك‏...‏
سي السيد‏..‏ خدعنا فائق دبلوماسيته حتي أنسانا أنه ليس في الإمكان مرة أخري تجميع مقومات ومفردات وكفاءات وجماليات مثل هذا الإنسان الذي تواكبه من لآلئ لغتنا الجميلة كلمات تمشي في ركابه‏,‏ وتؤهل لقدومه‏,‏ وتحضرنا عند وصفه‏,‏ وتذكرنا به في غيابه لنقول عنه‏:‏ الدمث و‏..‏طيب المعشر و‏..‏لكل زمان رجال و‏..‏رب أخ لك لم تلده أمك و‏..‏عنده الخبر اليقين و‏..‏إذا حضر الماء بطل التيمم و‏..‏من عرف لغة قوم آمن شرهم و‏..‏ أدلي بدلوه و‏..‏وما كل ما يعلم يقال و‏..‏السهل الممتنع‏!
‏‏[email protected]

المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.