هذا هو قدر مصر، خلقها الله، تحمي غيرها، توفر لهم الأمن والسلام كالأم تحتضن أبناءها، تهب للدفاع عنهم بحياتها ودمها ومالها.. لا تكل، لا تتعب، لا تغضب.. تتسامح عن رضا تبتلع كبائر وصغائر من تحميهم فهي مؤمنة بواجبها هدفها واضح ومقدس لا يحتمل زيفا ولا رياء، تعبير صادق حي عما بداخلها تقاتل من أجله، وتُقتل وتُجرح وتُشتم، ويساء إليها لكنها تبتسم في رضا لانه قدرها ترضي ربها وضميرها وتؤدي واجبها القومي، وأبناؤها مثلها شربوا لبنها فتخلقوا بأخلاقها، خاضوا منفردين أربع حروب طاحنة من أجل أرض وعرض شعب شقيق فمرض اقتصادها.. وقتل عشرات الآلاف من أبنائها وجرح آضعافهم وكان بمقدورها أن تؤثر السلامة وتكتفي كالآخرين الأفضل منها اقتصاديا باطلاق الشعارات والاستعداد للموت وما اسهل القول »بالروح.. بالدم« لكن مصر وأبناءها لا يتقنون التمثيل فالنخوة والشهامة في نخاعهم، والذين تدافع عنهم هاجموها، حاولوا نهش لحمها وتكسير عظامها واسالة دمها وجهوا إليها أبشع الشتائم والاتهامات تآمروا عليها، حفروا الانفاق يتسللون منها يقتلون وينهبون ويسرقون ويدبرون المؤامرات وهي مازالت تبتسم في رضا. راودتني هذه الخواطر وأنا أشاهد الثلاثاء الماضي مراسم التبادل لمئات الأسري الفلسطينيين بواحد إسرائيلي اسمه »شاليط«، صفقة تمت بعد جهود مضنية، تحملها فريق عمل مصري رفيع المستوي أدوا مهمتهم في صمت وأعلنوا عن نجاحها في جملة واحدة لم يهللوا ولم يملأوا الدنيا ادعاءات بطولة أو معايرة فهذا دورهم الذي لا يقدر عليه غيرهم في ظل ظروف غاية في الصعوبة تمر بها مصر.. وتركوا عن رضا »الشو الإعلامي« لأبو مازن في رام الله وأبوهنية في غزة، تسلط عليهما الكاميرات ويقبل الأسري أياديهما ورأسيهما، وأنت يا مصرويا أبناءها في غني عن ذلك، حاولتم ونجحتم وقدمتم الثمار لغيركم، وكل ما نتمناه ألا يقف أحدهم موقف ابي عمار رحمه الله حين دعاه السادات إلي حل قضية فلسطين تحت العلم الفلسطيني علي أرض مصرية ليتهمه أبو عمار بالخيانة ويهدر فرصة العمر.. لك الله يا مصر سلمت وأمنت ودمت درعا لغيرك وأجرك عند الله.