كان واحدًا من قراراتي المبكرة الموفقة علي الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. وشجعني علي ذلك أصدقاء العمر والدراسة.. أحمد يوسف وأسامة الغزالي حرب وعثمان محمد عثمان الذين اختاروا معي ذات الكلية التي كانت وليدة وقتها في منتصف الستينات.. فقد ظفرت بأساتذة كبار أجلاء عظام، أسهموا ليس فقط في إعدادنا علميًا وإنما أكسبونا خبرات حياتية مهمة وصاغوا لنا منظومة قيمنا التي تعلي قيم الحق والخير والجمال والعدل والمساواة واحترام الآخر. وكان في مقدمتهم الدكاترة زكي شافعي ورفعت المحجوب وبطرس غالي وعبد الملك عودة وأحمد الغندور، وحامد ربيع وفتح الله الخطيب وعز الدين فودة وإبراهيم صقر.. وحظيت بمجموعة رائعة من الزميلات والزملاء في دفعتنا التي عرفت باسم الدفعة الذهبية، والتي لم يكن عددها يتجاوز 150 طالبة وطالبا.. وكلهم صاروا نجوما في شتي مجالات المجتمع.. السياسية والتنفيذية والإعلامية والأكاديمية والدبلوماسية والاقتصادية، ومجال البيزنس والسياحة. في العمل التنفيذي كان من بين أبناء الدفعة وزيران هما د.عثمان محمد عثمان، ود.درية شرف الدين.. وفي العمل الدبلوماسي ستة سفراء هم سعاد شلبي، التي نعتبرها عميدة دفعتنا، وهاني خلاف ومحمد أنيس وهاجر الإسلامبولي وعبد الرحيم شلبي وحمدي صالح.. أما في العمل السياسي فقد كان للدفعة المرحومة د.عزة وهي التي اختيرت وهي طالبة عضوا باللجنة المركزية لمنظمة الشباب، ود.أسامة الغزالي حرب الذي أسس حزبا وكان له أيضا باع في العمل الصحفي، ومني ذو الفقار التي مازال لها دورها البارز في العمل الحقوقي والمدني.. بينما في العمل الأكاديمي فقد كان للدفعة العديد من العمداء والأساتذة الجامعيين مثل الدكاترة أحمد يوسف وإبراهيم كروان وهدي صبحي وعراقي الشربيني وأماني موسي ونجوي خشبة ونعمت مشهور وثناء الجيار.. بينما كان للدفعة العديد أيضا من الإعلاميين والصحفيين اللامعين مثل هالة الحديدي والمرحومةً أفكار الخرادلي ودرية شرف الدين ومحمد الشناوي وابتسام الأنصاري والمرحوم ممدوح مهران ومحمد علي المداح.. كما تولي اثنان من أبناء الدفعة عمادة كليتنا وهما المرحوم الدكتور كمال المنوفي والدكتورة مني البرادعي، ولعل ذلك يفسر لنا لماذا لم تكن السنوات الدراسية الأربع التي قضيناها في كليتنا مقصورة علي الدراسة فقط، وإنما كانت بالنسبة لنا تمثل حياة كاملة حافلة بالنشاط المتعدد والمتنوع.. ثقافي.. فكري.. فني.. سياسي.. رياضي. أيضا يفسر لنا ذلك لماذا حرص أبناء هذه الدفعة علي اللقاء والتواصل بعد التخرج طوال نحو نصف قرن.. فقد جمعتهم حياة مشتركة جميلة، لم يتمكن الزمن من محو ذكراها ولا هجرة البعض أو تغييب الموت للبعض.. ولذلك كانت الفرحة الغامرة الممزوجة بالفخر هي سمة احتفال دفعتنا.. دفعة 69 باليوبيل المذهبي لها، وهو الاحتفال الذي لم يمنعني سوي الشديد القوي عن حضوره، وهو المرض والاستعداد لجراحة ضرورية.