هل تظل شعوبنا محكومة بتخلف أبدي لا خلاص منه وتنسحب إلي خارج التاريخ والزمن والحياة.. أم تصبح جزءاً من ثورة التحديث؟ السبت: هل سقط العربي، سهواً، من ذاكرة الدنيا؟ وهل يظل العرب يستوردون كل احتياجاتهم حتي مأكلهم ومياه الشرب؟ أسئلة لا تنتهي تلاحقني وتؤرقني. هل سيظل العرب يحتقرون لغتهم وتاريخهم وتراثهم؟ وهل يستمر تصاغرهم أمام خصومهم.. وإصرارهم علي بيع أوهامهم لأنفسهم؟ الأسئلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية تتعدد وتتكاثر.. وإذا أدمن العرب التقاعس عن حل إشكالاتها.. فلا مفر من بقائهم خارج العصر وخارج الزمن.. وخارج الحياة. نقرأ كل يوم عن الدول المنبثقة الصاعدة، كالصين والهند والبرازيل وتركيا، ولا نجد أي ذكر للعرب.. لا من قريب، ولا من بعيد. هل فقد العرب المبادرة التاريخية بعد سقوط بغداد والأندلس؟ وإلي متي يفخرون بماضيهم ويخجلون من حاضرهم؟ مازالت نسبة الأمية بين النساء في العالم العربي تصل إلي خمسين بالمائة ولا يتجاوز عدد الكتب المترجمة 033 كتاباً في السنة، بينما اليونان »عدد سكانها 01 ملايين نسمة« تترجم ثلاثة أضعاف هذا العدد. واسبانيا وحدها أغني من اقتصادات الدول العربية كلها مجتمعة، بما فيها دول البترول رغم ان عدد سكانها أكثر قليلاً من نصف عدد سكان مصر. والمفكرون العنصريون في الغرب يرجعون تفوق بلادهم علي بقية شعوب العالم إلي فوارق واختلافات حضارية بنيوية أساسية بينها وبين شعوبنا العربية المحكومة من وجهة نظرهم بتخلف أبدي لا خلاص منه لأن ثقافاتها ثقافة شعوبنا تتناقض مع الحداثة، وستظل تحول بينها وبين التقدم والاندماج في الحضارة العالمية. في دراسة ميدانية أجراها فريق بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، ظهر أن 36 بالمائة من المصريين يؤمنون بالخرافات، بينهم 11 بالمائة من المثقفين والرياضيين والفنانين والسياسيين! كما توصلت دراسة أخري للباحث محمد عبدالعظيم إلي أن 13 بالمائة من المصريين بينهم من يحتل مناصب عليا يؤمنون بتقمص الأرواح وبأن الجن العفاريت يسيطرون علي تصرفاتهم! وهناك أكثر من مليون و002 ألف مواطن في مصر يعتقدون بتصنيف الجن إلي أزرق وأحمر، كما يعتقدون أن الحذاء القديم الملقي في الشارع هو الدواء الناجح للوقاية من الجن الذين يسكنون في المقابر والمنازل المهجورة، كما أن 57 بالمائة من المصريين يتحاشون ضرب القطط والكلاب ليلاً، لاعتقادهم أن العفاريت تتقمص هذه الحيوانات، كما يعتقدون أن الجن قادرون علي الزواج من النساء والعكس بل.. والإنجاب منهن. وتكشف الدراسة أن 06 بالمائة من النساء يعتقدن بضرورة وضع كف في شعر الطفل حتي لا يصاب بالحول، وأن 74 بالمائة من المصريين يؤمنون بأن رش المياه وراء الشخص المتوفي يمنع موت أحد وراءه، وأن المقص المفتوح يجلب النكد، كما أن وضع المقص تحت رأس النائم يمنع الكوابيس. ويري ستون بالمائة من المصريين أن حرق الخنفسة في الشقة غير المسكونة يجلب لها السكان، وأن تعليق حذاء طفل علي جدران المنزل يحقق السعادة لمن يعيشون بين جدرانه! لا .. مكان للمعرفة! الأحد: يلاحظ الدكتور السيد نصر الدين في كتابه »ثقافة الدولة المدنية« أنه في الفترة الممتدة من ميلاد المسيح وحتي منتصف القرن العاشر أي حوالي 0581 سنة تمت مضاعفة حجم المعرفة البشرية مرة واحدة. وفي المائة وخمسين سنة التالية، تمت مضاعفة هذا الحجم مرة أخري. ونقصت هذه الفترة التي يتضاعف خلالها حجم المعرفة بعد ذلك إلي خمسين سنة فقط. واليوم يتضاعف حجم هذا الرصيد كل ثماني سنوات، أي أن حجم المعرفة التي أنتجها العقل البشري في الثلاثين سنة الأخيرة يفوق كل ما أنتجه الإنسان في الخمسة آلاف سنة الأخيرة من حضارة الإنسان. وليس هذا بالأمر الغريب إذا علمنا أن ثمانين بالمائة من العلماء الذين عرفتهم البشرية منذ نشأتها يعيشون في أيامنا هذه، وينتج هؤلاء العلماء كل دقيقة حوالي ألفي »0002« صفحة تحتوي علي معرفة علمية جديدة. ويتطلب اطلاع شخص واحد علي ما ينتجه هؤلاء العلماء في اليوم الواحد 42 ساعة خمس سنوات من القراءة المتصلة. إنها مجتمعات تعتمد علي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتعدد وتنوع المكونات المادية والمعنوية والبنيوية التي توفرها هذه المجتمعات لإنسان القرن الواحد والعشرين. وهذا هو سبب التقلص المتزايد للفترة اللازمة لتحويل الاكتشاف العلمي إلي منتجات ملموسة وخدمات محسوسة ذات عائد اقتصادي مرتفع. ففي زمن سابق، تطلب كشف العالم الانجليزي ماكسويل لطبيعة الموجات الكهرومغناطيسية عام 4681 مرور 13 سنة قبل أن تتم الاستفادة منه في إجراء أول اتصال لاسلكي عبر الأطلنطي سنة 1091.. وقد انكمشت هذه الفترة منذ خمسينات القرن العشرين إلي أقل من عشر سنوات. ففي سنة 6591 تم بناء أول كمبيوتر تعتمد دوائره علي الترانزستور، الذي لم يكن قد مضي علي اكتشافه في معامل »بل« بالولايات المتحدة سوي ثماني سنوات فقط. ويقول الدكتور السيد نصر الدين إن: زمن دورة التغيير والتجديد في التكنولوجيا والمؤسسات الاجتماعية يتراوح اليوم ما بين ست وثماني سنوات، وأن شركة »سوني« اليابانية تطرح منتجاً جديداً كل عشرين دقيقة، أما شركة »ديزني« الأمريكية فإنها تقدم منتجاً جديداً كل ثلاث دقائق! أما عدد السلع المتداولة في مجتمع قبيلة ال»يانومامو« التي تعيش في غابات الأمازون »البرازيل وفنزويلا« ويبلغ تعدادها حوالي 82 ألف نسمة فإنه يبلغ المئات، بينما يصل هذا العدد في مجتمع مدينة نيويورك إلي عشرة مليارات سلعة. ولا يقتصر تعدد وتنوع مكونات المجتمع الحديث علي مكوناته المادية المتمثلة فيما ينتجه من سلع مصنعة أو ما يوفره من خدمات، بل يمتد أيضاً ليشمل مكوناته غير المادية المعنوية بما تنطوي عليه من رؤي ومعتقدات وأفكار. أين العالم العربي.. من ذلك كله؟ إنه مستغرق في طوفان من الجدل والفتاوي حول موضوعات من قبيل حكم خلع ملابس الأنثي أمام كلب ذكر»!« وهل الموبايل المزود بكاميرا حلال أم حرام»!« وما مواصفات المايوه الشرعي؟ وهل الدردشة علي الانترنت تشكل »خلوة شرعية«؟.. الخ. وفي السنوات الأخيرة ازداد إنتاج الفتاوي زيادة غير مسبوقة علي أيدي أشخاص غير مؤهلين أصلاً للإفتاء في أي شيء. هكذا ازدهرت صناعة الفتاوي.. وتضاءلت صناعة التفكير.