التطورات التي تشهدها الساحة السياسية مع اقتراب موعد استحقاقات انتخابات مجلس الشعب أصبحت تتسم بالغموض ويسودها الشعور بالدهشة. ان ما يلفت النظر فيما يجري.. الجنوح إلي عمليات تغيير الجلد والتي تتجسد في تبني بعض الأحزاب لاتجاهات وتوجهات تتعارض وتتناقض مع المباديء التي من المفروض أنها تأسست عليها. قد يكون هذا مقبولا من جانب الأحزاب الحديثة العهد والتي مازالت تبحث لها عن دور ومكان في الحياة السياسية المقبلة غير الواضحة المعالم.. ولكن الغريب أن يأتي هذا الانقلاب علي المباديء الأصيلة والقائمة علي الليبرالية من جانب حزب الوفد ذي التاريخ العريق في الحركة الوطنية المصرية. هذا الحزب كان صاحب شعار الدين لله والوطن للجميع كما انه التزم علي مدي تاريخه الممتد من ثورة 9191 بالانحياز الكامل للدولة المدنية وليست الدولة الدينية.. التي تدعو إليها بعض الجماعات التي أتاحت لها ثورة 52 يناير حق الممارسة السياسية وليس حق خطف الثورة. لقد فاجأنا هذا الحزب بالدخول في تحالفات مع جماعة الاخوان المسلمين متخليا بذلك عن دوره في ريادة الحركة الوطنية المصرية. وافق علي أن يكون عضوا فيما يسمي التحالف الديمقراطي الذي ظهر علي الساحة بمبادرة من الاخوان المسلمين الذين كان لهم أمر القيادة. وليس خافيا أن هدفهم من وراء ذلك أن يكون الوفد والأحزاب الأخري المشاركة ذات السمة غير الدينية بمثابة غطاء لهم أمام الشعب لما يتم التخطيط له من سيطرة وهيمنة وتسلط علي الحياة السياسية المصرية. من المؤكد أن مخطط الجماعة يقوم علي المرحلية وهي الاستراتيجية التي كان يعمل علي أساسها الحزب الشيوعي وصولا إلي مبتغاه في القفز علي سدة الحكم حتي رغم أقليته. لست أفهم ما هي الدواعي والأسباب التي تدعو حزبا مثل الوفد للتحالف مع الاخوان وليس مع ائتلافات الأحزاب الليبرالية وهو الذي كان دائما صاحب اليد العليا في حياتنا السياسية قبل الثورة وكانت أغلبيته وراء عزلة الاخوان المسلمين في كل المحافل التي كانت تشهد تنافسا بينهما. هل هي مبادرة شخصية من الدكتور السيد بدوي رئيس الحزب الحالي؟ أم أن ذلك يعود إلي احساسه الشخصي بأن حزب الوفد يعاني من الضعف الجماهيري الذي يدفعه الي التنازل عن مبادئه والسعي الي السير في ركاب الاخوان المسلمين. الحقيقة انني مازلت عاجزا عن أن أجد تفسيرا لهذا الموقف الذي يدفع حزب الوفد إلي التخلي عن تأييد فكرة ان تكون هناك مباديء أساسية يلتزم بها الدستور تضمن حقوق جميع الأطياف السياسية. ان ما يلفت النظر أن يكون هناك اختلاف في الرؤي بين الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد والدكتور علي السلمي نائب رئيس الحزب حول هذا الامر. ان تسارع الأحداث يتطلب العمل علي استنفار الأغلبية الصامتة سواء في حزب الوفد أو علي المستوي الشعبي كي تدرك أهمية الخروج من سلبيتها وأن تتحرك دفاعا عن حقوقها. عليها ان تفرض ارادتها المتجسدة في دولة مدنية حديثة يحتل فيها الدين الإسلامي الصدارة في دستورها ودون أن يكون لذلك علاقة بالحكم أو بالنظام السياسي. لقد كنت أتوقع ومن واقع التاريخ العريق لحزب الوفد ان يواصل تبنيه لمباديء الليبرالية. انطلاقا من هذه المكانة فقد كان عليه ان يقود أحزاب ائتلافات الثورة التي تطالب بالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة القائمة علي احترام الأديان مع الالتزام بالتراثية الاسلامية وتوافر الاحترام الكامل لحق المواطنة. أخشي ان يُفهم موقف الزعامة الحالية لحزب الوفد علي انه انتهازية سياسية. الحقيقة انني مازلت أشعر بالحيرة وغير قادر علي فهم ما هو وراء هذا المسلك من جانب حزب الوفد.