اعادتني الذاكرة إلي واقعة مهمة حدثت يوم الخميس 72 يناير قبل يوم الجمعة الذي اطلق عليه جمعة الغضب وكان بداية انهيار النظام السابق وسقوط مبارك.. والواقعة تكشف الكثير من الكبر والتعنت الذي كان قد وصل إليه حبيب العادلي وزير الداخلية.. وكان سببا رئيسيا لانهيار جهاز الشرطة والنظام. عصر ذلك اليوم عقد انس الفقي وزير الاعلام السابق اجتماعا ضم كلا من عبداللطيف المناوي رئيس قطاع الاخبار السابق وتامر امين وخيري رمضان ومساعد الوزير احمد طه وكاتب هذه السطور. كان الاجتماع غير مدرج في قائمة مواعيد الوزير المسبقة. ولكنه كان طارئا في اعقاب الاحداث والتي شهدتها مصر في 52 يناير والتوقع لما سيحدث في جمعة 82 يناير. وقتها اجمع الحاضرون للوزير أن احداثا كبيرة علي وشك الحدوث وان السكوت التام للرئيس وللحكومة حتي الان يزيد من اشتعال الازمة.. وطلب الحاضرون من الوزير ان يقنع مبارك ليتحدث للشعب ويتخذ بعض القرارات التي من شأنها ان تهدأ النفوس الغاضبة. وتقلل مما سيحدث في الغد. من جانبه كان الفقي في البداية غير مقتنع بما يقال وكان واثقا من ان الموقف تحت السيطرة.. واكد ان الرئيس بصدد اتخاذ اجراءات مهمة ولكن في انتظار ما ستسفر عنه احداث الغد. ومع اصرار الحاضرين علي موقفهم بدأ الفقي يفكر في الامر.. وفي الافكار المطروحة امامه.. وتحول تفكيره إلي استجابة واسرع إلي التليفون الخاص الذي يطلق عليه »الثلاثي« وهو الذي يربط مكاتب الوزراء بمكتب رئيس الجمهورية.. وكان علي الطرف الاخر جمال مبارك فنقل له الفقي كل ما دار من افكار في رؤوس الحاضرين امامه.. وطلب منه نقل هذه الافكار والطلبات إلي الرئيس السابق. جمال من جانبه وعد الفقي بنقل ما دار بينهما فورا إلي مبارك الاب.. وبعد اقل من نصف ساعة تلقي الفقي اتصالا علي نفس التليفون وكان المتحدث هو جمال الذي ابلغه بان مبارك ليس لديه اي مانع من ان يتحدث للشعب مساء نفس اليوم ويعلن بعض القرارات المهمة. ولكنه طلب استطلاع رأي حبيب العادلي وزير الداخلية وكلف الفقي بالقيام بذلك. وعلي الفور وعقب انتهاء المحادثة بين الفقي وجمال.. اتصل وزير الاعلام السابق بحبيب العادلي ليخبره بما دار ويستطلع رأيه فيما توصل اليه مع الرئيس السابق بدا العادلي في المحادثة واثقا من نفسه ومن اداء وزارته تجاه الاحداث وقدرتها علي استيعاب الامر وانهائه قبل الثالثة عصر الغد. كانت تجربة العادلي في فض مظاهرة 52 يناير واخلاء ميدان التحرير هي مبعث ثقته والذي كان قد وصل في هذا الوقت إلي مرحلة الغرور. قال العادلي للفقي انه يلعب مع المتظاهرين »شطرنج« ولديه عساكر وفيل وحصان ووزير وملك. وعليه ان يبدأ اللعب بالعساكر ثم ينتقل إلي الباقي ولا يغامر بتحريك الملك مرة واحدة وقبل ان يبدأ اللعب.. وفهم الفقي المتحدث علي الخط الثاني الرسالة من العادلي... والتي تعني رفض العادلي لان يقوم مبارك بالتحدث إلي الشعب قبل وقوع الاحداث.. وانهي المكالمة ليبلغ الحاضرين برأي العادلي الذين اندهشوا لما ردده العادلي.. وحدث ما حدث وسقط النظام ومن قبله انهزم العادلي في الشطرنج قبل ان يبدأ اللعب. تذكرت هذه الواقعة.. ورددت بين نفسي الاية الكريمة »وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون« صدق الله العظيم.