ظاهرة الرشوة كفيلة بتدمير وهدم مجتمعات ودول بأكملها، خاصة لو كانت من المال العام الذي يقتطع من الموظفين الغلابة في صورة ضرائب وجمارك وتبرعات، فما بالنا لو كانت من أموال الصدقات والأوقاف الخيرية ؟! الغريب بل والعجيب أن ديننا الإسلامي الحنيف أزال اللبس بين الهدية والرشوة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، وحذر الذين يجيدون خلط الأوراق واستباحة المال العام، إلا اننا مازلنا نري في عصرنا الحديث رشاوي يدفعها الراشون من المال العام كي يغض المرتشون نظرهم عن استخفافهم وتبديدهم له ذات اليمين وذات الشمال. استعمل الحبيب المصطفي عليه الصلاة والسلام رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية علي الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أُهدي إليّ، فقام رسول الله، وصعد المنبر، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال : » أما بعد.. فاني استعمل الرجل منكم علي العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول : هذا لكم وهذا أهدي لي، هلا جلس في بيت أبيه وامه حتي تأتي هديته ان كان صادقا، والله لايأخذ احد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلا اعرفن احدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء او بقرة لها خوار او شاة تبعر » ثم رفع الحبيب المصطفي عليه الصلاة والسلام يديه حتي رئي بياض إبطيه، وقال : » اللهم بلغت.. اللهم بلغت ». الجرأة علي المال العام وتبديده من أهم وأخطر اسباب انتشار الثالوث المدمر في كثير من الدول العربية والإسلامية، وما ادراك ما الثالوث المدمر وتوابعه ؟! إنه الفقر والجهل والمرض الذي تفشي في مجتمعاتها وتوغل في ظل خطاب ديني يشيع مفاهيم خاطئة وموروثات ثقافية سلبية ترسخ للجهل والعصبية والتطرف. الحبيب المصطفي عليه الصلاة والسلام سعي لأن يقوم كل فرد في المجتمع بدوره في نهضته وقوته، وأن يأخذ كل ذي حق حقه،حتي السائل الفقير الذي أتاه يطلب المساعدة، أعانه عليه الصلاة والسلام في بيع ما يملك، وفك كربه، ووجهه كي يشتري قدوما، ويحتطب. فلم يدعونا الحبيب المصطفي إلي مسكنة الحاجة والفقر، بل دعانا إلي مسكنة التواضع، ورقة القلب علي المساكين، وجبر خواطرهم، وتأليف قلوبهم، لانه عليه أفضل الصلاة والسلام يريدنا مجتمعات عاملة وغنية وقوية تمتلك الدنيا بأيديها، ولا تلهث اليها بقلوبها. ما احوج كثير من مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلي القضاء علي ظاهرة الرشوة التي تدمر المال العام والخاص وتجعلها في ذيل العالم المتحضر.