لقد حرم الإسلام كل نوع من المعاملات فيه أكل لأموال الناس بالباطل, أو هضم لحقوقهم, حفاظا علي حقوق الناس, وصيانة للمعاملات من أن تتسرب إليها دواعي الظلم والقسوة, التي تتنافي مع روح الرحمة والتعاون, التي جاء بها الإسلام وحث أتباعه عليها في العديد من المواقف والتعاليم, وإن أنواع الظلم والاعتداء علي أموال الناس وحقوقهم لتأخذ صورا كثيرة, وأشكالا مختلفة, فمنها السرقة والغش وتطفيف الكيل والميزان, ومنها ما يأخذ صورة استغلال حاجة الإنسان كالربا أو صورة استغلال النفوذ كالرشوة, ومنها غير ذلك من المعاملات التي تتسم بالباطل, والاعتداء علي حقوق الناس, وظلمهم, وقد جاء النهي عاما لكل ما فيه أكل لأموال الناس بالباطل, فقال الله تعالي: يأيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدونا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك علي الله يسيرا سورة النساء أية(29 و30). أما( الربا) فهو تعامل بعيد عن روح الإسلام, بعيد عن كل مبدأ إنساني, بعيد عن العدل والأمانة والتعاون والتكافل, إنه صورة من العدوان علي حقوق الناس واستغلال حاجتهم لأكل أموالهم بغير حق. فمن احتاج إلي قرض من أخيه فاستغل حاجته وزاد عليه فهو ربا, والقاعدة في ذلك: أن كل قرض جر نفعا فهو ربا.. وكان السلف رضوان الله عليهم يدركون خطر الربا وشدة تحريمه, لدرجة أن الواحد منهم, كان يتحرج من أن يستظل بظل شجرة المقترض أو حائطه. وقد حارب الإسلام الربا وتوعد بحرب آكليه, قال تعالي: يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربوا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون والذين يأكلون الربا, ويمارون فيه, رغبة في تحليل ما حرم الله, فحالتهم كحالة المجنون الذي يتخبطه الشيطان من المس فهو يتخبطه بجسمه, غير مستقر ولا ثابت, وهكذا حال من يتخبط في تفكيره محاولا تحليل ما حرمه الله, ويحاول تحليل الربا, لأن البيع حلال, فقال: إن البيع مثل الربا. فأنكر الله تعالي هذا التخبط والاعتداء علي حرمات الله, وبين سبحانه أن المرابي إن لم ينته عن الربا ويكتفي برأس ماله فهو من أصحاب النار. هذا مع ما يحول الله به بينه وبين ما يطمع من الربا حيث يمحقه الله ويذهبه, علي عكس ما يكون في المال الذي يخرج المسلم منه الزكاة والصدقة حيث يبارك الله فيه بالزيادة والنماء والخير, عن هذا كله يحدثنا القرآن الكريم الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهي فله ما سلف وأمره إلي الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم سورة البقرة أية275 و.276 ومن أنواع أكل الأموال بالباطل( الرشوة) وهي ما يدفع لصاحب جاه أو منصب أو قاض أو عامل من أجل الحكم له أو لإنجاز عمله أو تأخير غيره. وهكذا, فقد حرم الإسلام مصانعة الناس واشتراء ذممهم: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلي الحكام لتأكلوا فريقا من أمول الناس بالإثم وأنتم تعلمون سورة البقرة آية188 وفي الحديث لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم. وحرمها الإسلام بالنسبة للعمال, وما يدفع إليهم في صورة هدية, وهي في الحقيقة رشوة مقنعة, عن أبي حميد الساعدي أنه قال: استعمل صلي الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له. ابن اللتبية علي الصدقة, فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي, قال: فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم علي العمل مما ولاني الله, فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت لي, أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتي يأتيه هديته إن كان صادقا؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلا أعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء, أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتي رئي بياض إبطيه يقول اللهم قد بلغت وحرم الإسلام الرشوة في أي شكل كانت وبأي صورة من الصور المقنعة, ويرسي الإسلام قاعدة لمن استعمل علي أي عمل من الأعمال وأعطي راتبا علي ما يقوم به, فما أخذه بعد ذلك فهو خيانة وضرب من الرشوة قال صلي الله عليه وسلم: من استعملناه علي عمل فرزقناه رزقا فما أخذه بعد ذلك فهو غلول و( لعن رسول الله صلي الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش). وهكذا نري أن الإسلام قد صان حقوق الناس وحافظ علي أموالهم, وحرم كل ما فيه أكل لأموال الناس بالباطل, فحرم الربا وحرم الرشوة, كما حرم الغش وتطفيف الكيل والميزان, والسرقة والغصب, والاحتكار والتلاعب بالأسعار والاستغلال وغير ذلك مما هو حرام أو فيه شبهة, حتي تستقر المعاملات وتنتظم, ويحيا الناس آمنين علي أموالهم وحقوقهم.