زمان كان الناس يشربون من النيل ويصرفون في الخلاء، واليوم انقلبت الأوضاع وأصبح الناس يشربون المياه المعدنية من الآبار في الخلاء ويصرفون في النيل.. تلوثت الخضراوات وتسممت المزروعات وأجبرت الأشجار علي تجرع المواد الكيماوية والمنظفات الصناعية، تعايشت الأشجار والنباتات وتكيفت لكنها أضمرت للبشر شرا فأعادت إلي بطونهم فضل صرفهم ليأكلوه حبوبا وثمارا، أكل البرئ فضل السقيم فمرض، وانتشرت الأوبئة والإصابات حتي عجزت أجهزة الغسيل الكلوي عن مواجهة الزيادة الرهيبة في أعداد ضحايا المياه الملوثة، وبدلا من أن كنا نستمتع بصوت موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب يشدو بقصيدة النهر الخالد ويقول سمعت في شطك الجميل ما قالت الريح للنخيل .. يسبح الطير أم يغني ويشرح الحب للخميل .. وأغصنٌ تلك أم صبايا شربن من خمره الأصيل.. آه علي سرك الرهيب وموجك التائه الغريب .. أصبحنا نسمع نحيب الليل للنيل وهو يقول: سمعت في شطك الجميل - ما قالت الريح للنخيل.. يصرخ الطير أم يبكي ويشرح الهم الطويل. وأغصنٌ تلك أم ضحايا شربن من مائك الثقيل.. وزورق بالإهمال سارا..أم هذه أفعال سكاري. أما لسان حال النيل فيغني للإنسان أروح لمين وأقول يا مين ينصفني منك، ما هو أنت فرحي وأنت جرحي، وكله منك، أروح لمين وأقول يا مين ينصفني منك؟!