وصف الماء الملوث، المختلط بالصرف الصحي والصناعي، الذي يشربه ملايين المصريين، ب»الزفت« ليس من عندي، وإنما ما قذف به غاضبا، في وجه المسئولين عن المياه والصرف الصحي، الدكتور علي عبدالرحمن محافظ الجيزة، منذرا إياهم أن يفعلوا شيئا يغير الوضع البشع الذي يعانيه الناس، وهو وضع سائد في كل ربوع مصر. وانه لمن المدهش، والمثير للعجب، أن يأتي حكومة بعد ثورة أول شعاراتها »الراحة«.. أي انسانية الانسان.. قبل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وهل أقل، لكي يعيش المصريون بإنسانية وكرامة من أن يعيشوا في بيئة انسانية، لا تحاصر بيوتهم مياه ملوثة، ولا يشربون مياها ملوثة و.. و.. ولعله مما يدعو للعجب أن تكون في الحكم حكومة تقول إنها حكومة الثورة والكرامة الانسانية، ولا يظهر في برنامج عملها، طوال مائة يوم، أي إشارة للتصدي لمحو عار الصرف الصحي.. وتلويثه لحياتنا. كيف لا يكون تطهير النيل من المواد الصلبة السامة التي تلقي في مجراه من اسوان حتي دمياط ورشيد، من صرف صحي وصناعي، أصاب جميع الترع والمصارف والبحيرات.. وانتشر في معظم قرانا، ومدننا ايضا..؟ كيف لا يكون وضع حد لهذه الكارثة، التي أصابت عشرات الملايين من المصريين بأخبث الأمراض الفتاكة.. هو المشروع القومي الأول، الذي يسبق في الأولوية أي مشروع آخر!؟ الظروف الاقتصادية صعبة؟.. صعبة صحيح هذا العام.. لكنها لن تكون صعبة العام القادم.. وستكون جيدة العام التالي.. فلماذا نكتف أنفسنا بظروف اليوم، ولا ننظر نظرة مستقبلية؟ مافيش فلوس.. ولا نريد أن نقترض من الخارج. ماشي لكن الاقتراض من الداخل متاح وممكن. فلدي بنوكنا مئات مليارات الجنيهات الراكدة. لا تعرف كيف تستثمرها. استلف منها يا دكتور شرف عشرة مليارات علي خمس سنوات.. للمشروع القومي لمحو عار التلوث، وتطهير مجارينا المائية، وحماية صحة وأرواح أجيالنا القادمة. ربما يقول البعض ان هذا مشروع خدمي. أبدا.. إنه مشروع إنتاجي من الطراز الأول. وهل بناء القوة البشرية المصرية، أغلي ما يملك الوطن، لأنها صانعة حاضر مصر ومستقبلها.. علي قاعدة »العقل السليم في الجسم السليم« ليست انتاجا.. بل أعظم انتاج؟ وأيضا.. ألن تبني محطات الصرف والمياه عشرات شركات المقاولات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة.. وعشرات المصانع المنتجة للوازمها.. بما يعني تشغيل عشرات الآلاف من المهندسين والعمال.. مما يصب حتما في انعاش اقتصادنا.. فضلا عن أن مياه الصرف الصحي المعالجة أوليا أو ثنائيا مادة استثمار هامة. فيما تزرع غابات الأشجار الخشبية التي نحن في مسيس الحاجة لأخشابها.. ولتأثيرها الجيد في تحسين البيئة. وفي زراعة أشجار الجوجابا ذات الفوائد التي لا حصر لها للعديد من الصناعات.. وأهمها انتاج الوقود الحيوي الذي يخفف من أزمة السولار التي عانينا منها هذا العام. ولدينا بالفعل تجارب رائدة في هذا المجال. أما اذا استدعت الحكومة علماءنا في مراكز البحوث وكليات الهندسة والعلوم.. وكل من لديه ما يفيد في بناء أفضل وأرخص المحطات.. ومواد أو نباتات، أو أي وسائل تفيد في القضاء علي المواد الصلبة والسموم وكل أنواع الملوثات.. ولدي علمائنا بالتأكيد ما يفيد.. فإن ذلك سيكون مشاركة مجتمعية بالغة الحيوية.. ويقرب لحظة التخلص مما لوث حياتنا بالصرف الصحي والصناعي. ويا حضرات المستشارين والدكاترة واللواءات الوزراء والمحافظين.. عيب عليكم أن يستمر شعبكم يشرب الزفت!