الطعن على حكم وقف الجمعية العمومية.. تفاصيل اجتماع نقيب المحامين بأعضاء مجلس النقابة العامة ونقباء الفرعيات    رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب: الحكومة أكدت عدم تعارض قانون الإيجار القديم مع حكم الدستورية 2002    بيسكوف: مشاركة الولايات المتحدة في الهجمات على إيران ستعقد الأوضاع في المنطقة    ريال مدريد يعلن رسميا عودة مبابي إلى التدريبات بعد خروجه من المستشفى    ماركا: مبابي يغادر المستشفى ويعود إلى معسكر ريال مدريد    الأرصاد: غدا طقس شديد الحرارة نهارا.. والعظمى بالقاهرة 36    هاني حسن الأسمر يطرح أغنية أغلى من عينيّا تجمعه بوالده الراحل    بعد مصيلحي.. استقالة النائب وعضو مجلس الاتحاد السكندري    «بطريقة مجنونة»... بالميراس يدعو جماهيره لاحتفال غريب بعد الفوز على الأهلي    امتيازات جديدة للعامل بقانون العمل.. غياب مدفوع الأجر للبحث عن وظيفة    القضاء في خدمة العسكر: وقف عمومية المحامين "يعمق أزمة استقلالية العدالة في مصر    وزير الخارجية الأسبق ل "القاهرة الإخبارية": تغيير النظام الإيراني أكبر هدف لنتنياهو    مينا مسعود ل منى الشاذلي: شخصيتى بفيلم "فى عز الضهر" مليئة بالتفاصيل وتشبهنى    وزير الرى: طرح عقود تكريك نهاية ترعة السويس أول يوليو    صمود مصر رغم التحديات    أمين «البحوث الإسلامية» يتابع سير امتحانات الثانويَّة الأزهريَّة بالمنيا    إصابة 7 بينهم 3 فتيات في انقلاب سيارة على الإقليمي بالمنوفية (صور)    كارثة تعليمية| رسوب جماعي في مدرسة يثير صدمة.. وخبير يطالب بتحقيق شامل    رئيس "النواب اللبناني": الانسحاب الإسرائيلي فورًا ووقف الخروقات المدخل الأساس للاستقرار    الدقهلية تناقش اللائحة الجديدة لمركز تدريب الحاسب الآلي    بعد مطالبات بالترحيل.. مدحت العدل يدعم هند صبري: «شبراوية جدعة»    باحث: 36 سببًا لمرض ألزهايمر    تعيق فقدان الوزن- 6 أخطاء تجنبها عند المشي    غرفة القاهرة تستعد لتوسيع نطاق خدماتها المميكنة لمنتسبيها    مصر تفوز على البحرين وتتأهل للدور الرئيسي ببطولة العالم للشباب لكرة اليد    أفريقية النواب تبحث سبل زيادة الصادرات المصرية إلى القارة    ليفركوزن يفاوض ليفربول لضم مدافعه    تبادل أسرى بين أوكرانيا وروسيا بموجب اتفاقات إسطنبول    خالد الجندى: الكلب مخلوق له حرمة والخلاف حول نجاسته لا يبرر إيذائه    إيران تشن موجة جديدة من الهجمات الصاروخية على إسرائيل    مدبولي يبحث موقف توفير الاحتياجات المالية ل «الشراء الموحد» لتوفير الأدوية والمستلزمات (تفاصيل)    المشدد 15 عامًا لعاطل بالإسكندرية ضبط بحوزته 500 طربة حشيش    ملك أحمد زاهر تطمئن الجمهور على حالتها الصحية: "بقيت أحسن"    رئيسا روسيا والصين: لا حل عسكرياً لبرنامج إيران النووي    شيخ الأزهر: الأزهر يولي طلاب باكستان عناية خاصة لنشر المنهج الوسطي    ضبط المتهمين باختطاف شخص بسبب تجارة العملة    نائب رئيس الوزراء يترأس اجتماع المجلس الوطني للسياحة الصحية    محافظ القاهرة: أعلى قيمة لساعة انتظار السيارات 10 جنيهات    انطلاق تصوير فيلم "إذما" بطولة أحمد داود وسلمى أبو ضيف (صور)    هل هناك مؤشرات إشعاعية علي مصر؟.. رئيس الرقابة النووية يجيب    فاتتني صلاة في السفر كيف أقضيها بعد عودتي؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما حكم تشغيل صوت القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب    ضبط 7 قضايا مخدرات وتنفيذ 818 حكمًا قضائيًا خلال حملات أمنية بأسوان ودمياط    «منخفض الهند الموسمي» | ظاهرة جوية تلهب ثلاث قارات وتؤثر على المناخ    مسابقة لتعيين أكثر من 4 آلاف معلم مساعد مادة الدراسات الاجتماعية    محافظ أسيوط يفتتح وحدة طب الأسرة بمدينة ناصر بتكلفة 5 ملايين جنيه – صور    محمد الشناوي: نحلم بالفوز أمام بالميراس وتصدي ميسي لحظة فارقة.. والظروف الآن في صالحنا    وكيل قطاع المعاهد الأزهرية يتفقد لجان امتحانات الشهادة الثانوية بقنا ويشيد بالتنظيم    إعلام إسرائيلي: الحرب مع إيران ستكلف 100 مليار شيكل تقريبًا    عاجل- مدبولي يتفقد أول مصنع في مصر والشرق الأوسط لإنتاج أجهزة السونار والرنين المغناطيسي بمدينة 6 أكتوبر    حمدي فتحي: نسعى لتحقيق نتيجة إيجابية أمام بالميراس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    وسط تصاعد التوترات.. تفعيل الدفاعات الجوية الإيرانية في طهران    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    خالد الغندور يكشف صدمة للأهلي بسبب مدة غياب طاهر    سماوي: مهرجان جرش في موعده وشعلته لن تنطفئ    بسبب ركنة سيارة.. حبس شخصين بتهمة التعدي على آخر في النزهة    تامر حسني وهنا الزاهد يتألقان في دور السينما المصرية ب "ريستارت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ومازال النيل يغلي

هل أصبح المصريون يكرهون النيل؟! هل ماتت فيهم مشاعر العرفان ونسوا أفضاله عليهم وعلي بلادهم منذ سنوات لا تحصي ولا تعد؟!
كانت مصر صحراء جرداء فلما التقاها النيل وقع في هواها وميزها عن تسعة بلاد يمر بأراضيها عبر رحلة طويلة تصل إلي ستة آلاف وسبعمائة كيلومتر مربع، واختارها سكنا ومقرا، تدفقت مياهه في أراضيها واختلط طميه الأسود برمالها فصارت جنة الله في أرضه. اقترن النيل بمصر واقترن اسمها باسمه.. أعطاها الزرع والضرع ومنحها نبات البردي فتعلمت الكتابة واستخدمته في البناء.
مصر القديمة عرفت قيمة النيل وقدره الحقيقي واعتبرته واهب الحياة، وكانت تنتظر فيضانه في كل صيف بفارغ الصبر، ويصوره فنانوها علي هيئة تمثال يجمع صفات الذكورة والأنوثة معا، لونوه بالأزرق والأخضر لون مياه الفيضان، أما الرومان فنحتوا للنيل تمثالا عظيما علي شكل أب يرقد مسترخيا وأبناؤه المصريون يتقافزون حوله في حب.
مصر القديمة تغنت بالنيل في تراتيلها: »أنت الذي يأتي الخير في طريقه والغذاء عن نباته ويجلب مجيئه البهجة.. إنك لفريد.. أنت الذي يغذي ويطعم ويجلب المئونة لمصر كلها، الذي يهب كل فرد الحياة.
وكان أجدادنا يقدمون للنيل الكعك والفاكهة والتماثيل الجميلة والتمائم، ويذبحون الأضاحي علي ضفافه ابتهاجا بوصول مياهه التي تفيض في أمواج عاتية مانحة الحياة للأرض. وبادلنا النيل حبا بحب، عندما جعل مصر خزائن الأرض وأنقذ بقراتها السمان من السبع بقرات العجاف، فكانت مزرعة الدنيا التي أنقذت البشر من الهلاك وذكرت في الكتب المقدسة. فماذا جري بعد آلاف السنين من الحب والعطاء المتبادل؟!
اليوم نسيت مصر أنها هبة النيل.. وتنكر شعبها له.
صارت تعامله كعاشق بلا كرامة أهمله أبناؤها وأهانوه وحولوه إلي خزانة لنفاياتهم. ألقوا فيه بصرفهم الصحي وحيواناتهم النافقة، وجثت جرائمهم والقاذورات المتخلفة عن غسيل الأواني والملابس وغيرها وخنقوه بالأسوار والمباني العالية!
فلماذا انقلب المصريون علي النيل الذي جعل منهم أعرق حضارة في التاريخ؟!
من المسئول عن هذه الحالة المرعبة من التردي؟
نظرة إلي تقرير حالة البيئة لعام 9002 تجيب عن هذا التساؤل بكل وضوح، ولندرك أننا لا نستحق النيل ونعرف كم أسأنا لهذا النهر العظيم!
من بين 08 مليون مصري يعني ما يقرب من عشرين مليون أسرة، 4 ملايين أسرة فقط تحظي بخدمة الصرف الصحي، أما الأسر الباقية فلا سبيل أمامها للتخلص من الصرف الصحي سوي بإلقائه في النيل، وفيما يتفرغ منه من ترع وبحيرات وفي البحرين الأبيض والأحمر.
شبكات الصرف الصحي تغطي 001٪ من شوارع وأحياء المدن، أما أبناء البطة السوداء، الفلاحون الذين يمدوننا بالغذاء، فمحرومون من هذه النعمة ولن تصل إلا إلي 11٪ منهم فقط حتي نهاية عام 0102. وبحلول عام 2102 سيصل عدد المحظوظين إلي 04٪، أما الباقون فعليهم الانتظار حتي عام 7102 عندما تتم استراتيجية مواجهة التحديات!
5611 قرية مصرية لا تعرف خدمات الصرف الصحي.
خمسة آلاف حوض من القري النائية تصب الصرف الصحي في شبكة المصارف الزراعية بكل ما بها من تلوث كيميائي وبيولوجي، ويعاني أهالي القري من الرائحة الكريهة التي تنبعث من مياه المجاري التي تتدفق عبر المصارف الزراعية في طريقها إلي أن تصب في فرع رشيد!
الفلاح المصري ليس محروما فقط من مياه نظيفة يروي بها أرضة،بل من مياه صالحة لإرواء عطشه، فأغلب القري المصرية مازالت لا تتمتع بخدمات المياه الصالحة للشرب.وحتي لا تبور الأرض ويموت الفلاح وعائلته من الجوع بسبب عدم وجود مياه نقية استخدم المزارعون مياه الرشاح ليرووا بها أراضيهم، واستخدموا مياه النيل للشرب بالرغم من تلوثها!
أغلب ما نأكله من خضروات وفواكه تتغذي شجيراته علي مياه الصرف الصحي ولا أمل في إصلاح هذا الخطأ الفادح قبل عشر سنوات مع التفاؤل!
تصرف الفلاح الذي تركناه غارقا في بحر الأمية والاتكالية، في غياب أو تواطؤ المسئولين. ولكم هو مؤلم أن نتذكر عدد السنوات التي أهدرت والمسئولون يغطون في نوم عميق ولا يفكرون في إخوة لهم يموتون من العطش وأراضيهم تتأمل النيل في حسرة!
النيل الذي تغني به شعراؤنا ورددنا معهم أن من يشرب من مياه النيل لابد أن يعود مرة أخري إلي مصر.
تجاهلهم المسئولون في عهود الملكية، ونسيتهم حكومات ثورة يوليو برغم الشعارات البراقة وارفع رأسك يا أخي.. إلخ، وتعاقبت الحكومات دون أن يفعلوا شيئا للفلاحين، والحكومة الحالية واصلت ميراث إهمال حقوق أبناء البطة السوداء.. المنبوذين في الريف.. ميراث طويل وشبه مقدس.
للمدن كل شيء.. وللقري لا شيء.. لا شيء سوي أغان تحسد الفلاح »محلاها عيشة الفلاح يتمرغ علي أرض براح«، وبينما ابن المدينة يتغني بالمية التي تروي العطشان وتطفي نار الولهان يا سلام ع المية.. لا يجد الفلاح من سبيل لإرواء ظمئه سوي مياه النيل الملوثة بما يرميه هو نفسه من نفايات فيها.
ورغم بشاعة الجرم فهل يمكن أن نلوم الفلاحين؟
يكفي ما أصابهم من أمراض تفتك بأجسادهم وتقضي علي الآلاف منهم وهم في ريعان الصبا مثل البلهارسيا والفشل الكلوي والفيروسات بأنواعها.. إلخ.
ثم نتساءل: لماذا تتفشي بين المصريين أمراض الكبد الوبائي والفشل الكلوي والسرطان والتيفود وغيرها؟ ولماذا ارتفعت نسبة الإصابة بحساسية الصدر بين أطفالنا، ونتعجب لماذا تحتل مصر المركز الأول بين كل دول العالم في الإصابة بفيروس الالتهاب الكبدي الوبائي سي، ولماذا تغير طعم الفاكهة والخضروات ويسبب ما يؤكل منها نيئا - مثل الخيار والبطيخ والشمام - المغص والإسهال؟!
ونندهش لماذا هجر الفلاحون قراهم وتحولوا إلي »عواطلية« يتسولون العمل.. أي عمل.. علي أرصفة المدن؟!
وبعد أن سلطت الصحافة أضواءها الكاشفة علي تلك المأساة راح المسئولون يتبرأون من الجريمة ويلقي كل منهم بالمسئولية علي أكتاف الآخرين.
أين كانت وزارة الزراعة طوال العهود الماضية؟ وإذا لم تفضحها الصحف أخيرا هل كنا سنأكل طعاما ملوثا بمجارينا إلي الأبد؟ وهل يكفي بعد أن استيقظت وزارة الزراعة من غفوتها أن يصدر وزير الزراعة قرارا بإزالة جميع الزراعات المروية بمياه الصرف الصحي والصناعي في مختلف المحافظات ؟ من يعوض ملايين المصريين الذين أصيبوا بأمراض عديدة ويعالجون بمنتهي الإهمال في مستشفيات الحكومة؟!
مرة أخري تعالج الحكومة أخطاءها بخطايا جديدة، وبينما يلقي المسئولون بالتهمة علي بعضهم البعض يقع الإنسان البسيط ضحية لإهمالهم الجسيم وقراراتهم العشوائية، عالجنا أنفلونزا الطيور بالقضاء علي مصدر الرزق الرئيسي وربما الوحيد لملايين النساء الفقيرات، وعالجنا أنفلونزا الخنازير بالتخلص من مصدر رزق مئات المربين للخنازير، واليوم نداري مصيبة ري الأراضي الزراعية ببقايا الصرف الصحي بقرار استخدام القوة الجبرية وباللجوء لذلك الحل البيروقراطي العقيم تشكيل لجان لإزالة تلك الأراضي.. إلخ.
فماذا عن مزارعي تلك الأراضي وكيف سنعوضهم عن الغيبوبة التي كان مسئولو الزراعة يعيشون فيها؟!
وإذا كانت الهيئة العامة لمشروعات الصرف ليست مسئولة عن تسرب مياه الصرف من مصارفها وقطاع الري يتنصل من المسئولية فمن المسئول إذن؟
أسئلة لن تجد من يهتم بالرد عليها، لكن هل سيغفر لنا النيل كل تلك الجرائم؟! ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.