»إذا كان الحب تجربة إنسانية، فإن العشق تجربة إلهية، والله هو العشق وما وراء العشق، وخلق العالم بالعشق حتي يجد العاشق معشوقاً له، وبالعشق يدرك الإنسان جمال العالم، بعد جمال المعشوق، والعشق يتجاوز الفعل ويظهر في الحيرة والجنون». ما أحلي الهروب من زحمة الحياة ومشاغلها وهمومها، لبعض الوقت، إلي هذا العالم الفسيح في فضاء المتعة الروحية، التي تخلص الإنسان من شوائب الحياة، وما أجمل أن تهرب من زحمة الطرق، إلي كتابات ملوك العشق الإلهي، جلال الدين الرومي »مولانا» وابن الفارض »سلطان العاشقين»، وشمس الدين التبريزي »العاشق الضحية»، الذي قيل إنه قتل علي يد أحد تلاميذ الرومي غيرة عليه، مع أن الرومي نفسه كان عاشقاً لأستاذه التبريزي وتربي علي يديه. منهجهم: أن الحب الإنساني أحد تجليات العشق الإلهي، وهو الذي يحوِّل العالم إلي خيال خلَّاق، وإلي صور جمالية، وإلي قصيدة يغنيها العاشق.. و»هيامك الذي كان في العشق سيحضرك في قبرك، ومعه الهدايا». بلغ ابن الفارض مرتبة عالية في التصوف، فكان يمضي معظم أيامه دهشاً مأخوذاً منقطع الحواس، لا يتحرك ولا يتكلم، وقد يبقي علي هذا الحال أياماً، فإذا أفاق أملي شعره، كأنه ينظمه في غياب الوعي، وكان يحضر في مجالس الذكر، وينفعل انفعالاً شديداً حتي ينحدر العرق من جسده، وكان حسن الوجه وجميل الهيئة والملبس، والده من حماة في سوريا، ثم اعتزل بعض الوقت في مكة قبل أن يهاجر إلي مصر ويستقر فيها. ولكن عشقه لم يشفع له، فأثير حوله الجدل، لدرجة اتهامه بأن التصوف أخذه خارج حدود الشرع، وأن شعره يخاطب أصحاب العقول المتهافتة والمعرفة المحدودة.. بل إن »شعره حول الحب الإلهي يقوم علي استغفال العامة». أما جلال الدين الرومي »مولانا» فهو مؤسس مدرسة العشق الإلهي وفارسها الأول، فلا نعرف كيف جذب كثيراً من الاهتمام منذ بدء حياته حتي يومنا الحاضر، فهذا ليس بسبب الفكرة التي يطرحها، بقدر ما هي كيفية صياغتها والتعبير عنها، فحالما يفصل المرء رسالة »الرومي» ستصبح بطريقة ما، غير مؤثرة، هذه سلبية كبيرة للكتب التي تحكي عن »الرومي» بتحليلهم قصائده وفكره، دون النظر إلي روحه التي تهيمن علي أعماله، وقيل إنه عاصر فترة اجتياح المغول للعالم الإسلامي، فاضطر إلي الهروب من »الواقع الدموي» إلي »الخيال الروحي»، واختار »العشق الإلهي» طريقاً. ومن مأثوراته: »الوداع لا يقع إلا لمن يعشق بعينيه أما ذاك الذي يحب بروحه وقلبه فلا ثمة انفصال أبدا.. صُمتُ عن الكلام لكن روحي في داخلي غدت ناياً يشدو!.. ما ضرك لو أطفأ هذا العالم أضواءه كلها في وجهك مادام النور في قلبك متوهجاً.. نَحنُ مِن طِين، يوجعنا الأذي، يَجرحنا صَغير الشَوك، يجبرنا لُطفُ الله.. مَن يدخل الطَريِق بِلا مُرشد سَيستغرق مائة عَام في رِحلة لا تَحتاج سوي يومين.. ولتعَلمْ إنَ مَا أنتَ سَاعٍ إليِه هو سَاعٍ إليِك.. أيها الحبيب.. نحن أسري في قيد محبتك.. عندما يتراكم عليك كل شيء وتصل إلي نُقطة لا تتحمل بعدها أي شيء، احذر أن تستسلم. ففي هذه النُقطة سيتم تغيير قدرك إلي الأبد.. ما تبحث عنه يبحث عنك».