هذا عنوان المسرحية المعروضة الآن علي مسرح السلام وكما هو واضح فهي إعداد مسرحي عن رواية » قواعد العشق الأربعون » للكاتبة أليف شافاق التركية الأصل. لقد حققت الرواية نجاحا باهرا علي مستوي العالم منذ نشرها عام 2008 في دار بنجوين للنشر بإنجلترا وترجمت إلي لغات عديدة منها العربية وأصبحت من الروايات الشهيرة في العالم. الإعداد المسرحي كان لابد أن يغريني بالذهاب فهو نتاج ورشة إعداد مسرحي تشرف عليها كاتبة كبيرة هي رشا عبد المنعم لها تجارب رائعة في الكتابة المسرحية والإخراج لعادل حسان الذي له شهرته أيضا في المسرح الجديد المغامر. ذهبت لأري كيف يمكن أن يكون إعداد مسرحي عن رواية شهيرة ووجدت جمال الإعداد في أنه تقريبا تخلص من موضوع رئيسي في الرواية وهو موضوع إيلا وعائلتها الذين يعيشون في الزمن الحاضر وبالتحديد عام 2008. ونقل الإعداد »إيلا» إلي القرن الثالث عشر الميلادي حيث الموضوع الثاني الذي صار الرئيسي وهو لقاء شمس الدين التبريزي بجلال الدين الرومي في قونية بتركيا، وهو قرن شهد الكثير من المعارك الدينية والتكفير، وكيف استطاع التبريزي أن ينقل جلال الدين الرومي رجل الدين إلي خانة التصوف بما فيها من إنسانية تتجلي في عشق الذات الإلهية الذي قيمته الكبري في أنه يتجسد حبا للبشر بلا خلاف حول لون أو بشرة أو مال وجاه وغير ذلك من مغريات الدنيا. تاريخيا قتل شمس الدين التبريزي وهو هنا كما في الرواية يتم القبض عليه آخر العرض تقريبا وليس مهما أن نراه يقتل. الإعداد يوجه العمل إلي عصرنا الممتلئ بالفتنة والإرهاب كما تفعل الرواية لكننا في مصر وفي العالم العربي نشعر بذلك أكثر من غيرنا. ما يقوله شمس التبريزي للناس علي اختلافهم ولجلال الدين الرومي الذي صار متصوفا محبا للبشر عاشقا لهم عشقه لله مبتكرا رقصة الدراويش أو التنورة التي صارت في تاريخ الصوفية طريقا إلي الفناء في الذات الإلهية وطيرانا للروح في السماء إلي حيث سدرة المنتهي. وهو إحساس لا يعرفه إلا من كابده وليست مجرد رقصة للسهر لذلك تقريبا لم تنقطع طوال العرض في مكانين علي طرفي الدور الأرضي من الأحداث حين ينقسم المسرح إلي طابقين ويتخلله ويتخللها غناء لأشعار صوفية لها وقعها علي الأذن وعلي القلب عبر التاريخ لشعراء وصوفية مثل ابن الفارض ومحيي الدين بن عربي والسهروردي وجلال الدين الرومي والإمام سعيد بن أحمد يتبادلها الفنانان سمير عزمي بصوته المعبر وأميرة أبو زيد. يطرح الإعداد أسئلة وإجابات علي رأسها هل كان الله عاجزا عن أن يخلقنا متشابهين؟ لماذا إذن خلقنا مختلفين؟ لنتعارف ونحب بعضنا بعضا لا نقتل بعضنا أو تزدري طائفة أخري. إن الطريقة التي نري فيها الله هي انعكاس للطريقة التي نري فيها أنفسنا فإذا رأيناه خائفين نصير خائفين وإذا رأيناه مفعما بالرحمة والحب نكون كذلك. والطريق إلي الحقيقة يمر من القلب لا من الرأس فتغلب علي أهواء النفس بقلبك وستعرفها أفضل فتقودك إلي معرفة الله. والشيطان في نفوسنا وليس مسلطا علينا وإن قراءة القرآن الكريم تختلف مستوياتها فهناك من يقف عند المعني الظاهري للكلمات وهؤلا هم أهل الظاهر وهم من لا يتركون فرصة للتجديد في الفكر الإسلامي - وهذه من عندي - وهو مستوي سهل في إقناع الناس ومن ثم إيقاف قدرتهم علي التأمل، لكن أيضا هناك ما هو أكثر عمقا من الفهم الظاهري وهو المستوي الباطني والأعمق منه مرتبطا بحب الله وعشقه وهو إحساس لا يمكن وصفه. والله موجود في كل أطياف البشر لذلك تجد بيت البغاء فيه من تخرج منه إلي المسجد فيطاردها الجند ويكشف التبريزي لهم أنهم لا يطاردونها بل يشتهونها وأيضا هناك من يبحث عن الله في حانة الخمر والله الذي يبحث عنه الجميع رغم ما يفعلونه قريب جدا فهو في قلب العاشق الحقيقي. ومهما حدث لك فاحمده علي ما أعطي وما أخذ ولا تترك نفسك لليأس ويجب ألا ينفد صبرك فعشاق الله لا ينفد صبرهم ففي الشوك تنبت الورود وبعد الليل فجر. إن اللب يغدو أكثر نضرة إذا نُزِعت عنه القشرة كما يقول جلال الرومي فيما بعد وكثير جدا من أقواله تدور في هذا الفلك الصوفي الإنساني العظيم الذي غرسه فيه معلمه شمس الدين التبريزي. إقرأ كتاب » المثنوي » لجلال الدين الرومي من ترجمة الدكتور إبراهيم الدسوقي شتا والمطبوع بالمجلس الأعلي للثقافة وانظر كيف تتغير الدنيا حولك إلي الأجمل. ونعود إلي المسرحية. لا حكمة من دون حب. وما لم نتعلم كيف نحب خلق الله، فلن نستطيع أن نحب الله ولن نعرف الله حقا. وإن القذارة الحقيقية تقبع في الداخل أما القذارة الأخري فتزول بغسلها. ويوجد نوع واحد من القذارة لا يمكن تطهيره بالماء النقي وهو لوثة الكراهية والتعصب التي تلوث الروح. نستطيع أن نطهر أجسادنا بالزهد والصيام حقا، لكنه الحب وحده هو الذي يطهر قلوبنا. إن كل إنسان عبارة عن كتاب مفتوح، وكل واحد منا قرآن متنقل. إن البحث عن الله متأصل في قلوب الجميع، سواء أكان وليا أم قديسا أم عاهرا. فالحب يقبع في داخل كل منا منذ اللحظة التي نولد فيها، وينتظر الفرصة التي يظهر فيها منذ تلك اللحظة. يقبع الكون داخل كل إنسان، كل شيء تراه حولك، بما في ذلك الأشياء التي لا تحبها، حتي الأشخاص الذين تحتقرهم أو تمقتهم، يقبعون في داخلك بدرجات متفاوتة. لا تبحث عن الشيطان خارج نفسك، فالشيطان ليس قوة خارقة تهاجمك من الخارج بل هو صوت عادي ينبعث من داخلك فاذا تعرفت علي نفسك تماما وواجهت بصدق وقسوة جانبيك المظلم والمشرق، عندها تبلغ أرقي أشكال الوعي. وعندما تعرف نفسك، فإنك ستعرف الله. هذا العرض جدير بالنقل إلي التليفزيون المصري في هذا الوقت الصعب.