فقط إذا اجتهدنا لإعادتها من الاختطاف علي يد اللغات الأجنبية و»الفرانكو آراب»، فإن اللغة العربية تظل هي الحصن الأقوي للدفاع عن الهوية العربية والأفكار الإسلامية التي تواجه عواصف عاتية في هذه الفترات العصيبة من عُمر التاريخ العربي الحديث.. ورغم المعاهد العلمية العريقة في مصر التي أسهمت في حفظ لغة القرآن الكريم من التفكك كالأزهر الشريف ودار العلوم وكليات الآداب ومجمع اللغة العربية (الخالدين) فإن الواقع يؤكد أن أبناءنا، بل وبعض المسئولين الكبار، تلتوي ألسنتهم باللغات الأجنبية دونما معرفةٍحقيقيةٍ بلغتهم الأم؛ الأمر الذي دعا النائبة سلاف درويش لتقديم مشروع قانون إلي البرلمان للنهوض باللغة العربية.. عن المشروع وأهدافه والجديد فيه كان هذا التحقيق: للأجيال المقبلة النائبة البرلمانية سلاف درويش أوضحت ل»الأخبار» أنها تقدمت بأول مشروع قانون للنهوض باللغة العربية إلي البرلمان،والذي يتضمنُ معاقبة غير الملتزمين باستخدام اللغة العربية بدفع غرامة عشرة آلاف جنيه، للمحافظة علي هويتنا الثقافية العربية وعلي الأجيال المقبلة، وأنه رغم موافقة 67 نائبا بالفعل علي المشروع حتي الآن لكنه لا يزال في طور المراجعة والتمحيص، مؤكدة أنها تتقبل أي إضافات أو تعديلات يتقدم بها النواب إلي المشروع قبل عرضه علي المستشار القانوني مرة أخري.. وأضافت سلاف أن من حقنا الآن وسط النمو الاقتصادي والسياسي الحالي أن نشترط علي المدارس الأجنبية أن تهتم باللغة العربية بداية من عنوان المدرسة، وكذلك أسماء المحلات والشوارع والشركات التي تُشعرنا بالاحتلال الثقافي لأفكارنا وهوياتنا، ومن واجبنا المحافظة عليها للأجيال المقبلة؛ مشيرة إلي أنها لاقت ترحيبًا بالمشروع من المجلس القومي للمرأة ومن د. أسامة العبد رئيس اللجنة الدينية بالبرلمان، لأن المشروع يدق ناقوس الخطر لمواجهة الاختراق الثقافي ويدفعنا للمحافظة علي هويتنا وثقافتنا.. وعن أسباب التقدم بالمشروع قالت سلاف إنها وجدت أن أبناءنا من الجيل الجديد لا يستطيعون الكتابة الصحيحة باللغة العربية بعدما سيطرت الفرانكوآراب واللغة الأجنبية علي عقولهم، بل إن كثيرًا من المسئولين في المؤتمرات لا يتحدثون العربية ويُفضلون اللغات الأجنبية، في الوقت نفسه الذي يفخر فيه الأجانب بلغاتهم ولا يقبلون أبدًا الحديث بغيرها.. واعترفت سلاف أن مشروع القانون »النهوض باللغة العربية» ليس جديدً تمامًا حيث ارتكز علي القانون رقم 62 لسنة 1942، المُعدل بالقانون رقم 132 لسنة 1942، والقانون رقم 102 لسنة 1976، والقانون رقم 112 لسنة 2008م، وإن كانت تحمل مواد هشة تحتاج إلي تغليظ وتحديث وهو ما دفعها إلي التقدم بمشروع القانون. قانون المجمع د. شفيع السيد مقرر لجنة اللغة العربية في التعليم بمجمع الخالدين أكد أن اللجنة كانت الأسبق في العام الماضي بإعداد مشروع قانون لحماية اللغة العربية وقدمته باسم رئيس المجمع د. حسن الشافعي إلي المختصين بوزارة التعليم العالي المُشرفة علي المجمع، وكان النائب سعد الجمال رئيس لجنة الشئون العربية بالنواب قد أثار الموضوع في المجلس واستجاب المجمع للفكرة، وبالفعل تم الاجتماع بين المسئولين في وزارات العدل والتربية والتعليم والتعليم العالي مع رئيس المجمع د. حسن الشافعي والأمين العام د.عبد الحميد مدكور اللذين أشارا ببعض التعديلات، وهنا انتهت علاقة المجمع بالمشروع الذي تقدم به بعدما أصبح في أيدي المسئولين.. وأضاف د. شفيع أن المجمع يُساند النائبة سُلاف درويش في مشروعها المُقدم تحت عنوان: (النهوض باللغة العربية)، لأنه لا يخرج في جُملته عن مشروع المجمع السابق: (حماية اللغة العربية)، رغم بعض التحفظات علي عدد من العبارات الواردة بالمشروع والتي يُمكن التفاهم حولها حتي يخرج مشروع إلي النور خاليًا من أي نقصٍ، كما أن المجمع يدعو النائبة لزيارته لمناقشة بنود هذا المشروع والاتفاق حولها. تفعيل القوانين د. عبد الحميد شيحة، أستاذ الأدب بجامعة القاهرة وعضو مجمع اللغة العربية، يشير إلي أن العبرة ليست بقانونٍ جديد، وإنما بتفعيل القوانين التي نغصُّ بها بحسمٍ وإرادةٍ حقيقيةٍ؛ وقد اهتم الجميع بالقانون الذي صدر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر في إطار الحفاظ علي الثقافة والمد القومي والهوية العربية، بداية من التعليم وحتي لافتات الشوارع.. ويتساءل د. شيحة: كيف توجد إعلانات كاملة باللغة الأجنبية وكأنها تُخاطب مجتمعًا آخر غير الذي نعيش فيه، مؤكدًا أن درجة ثقافتنا عند الناس أن تستهين بالعقوبة حتي يتم تطبيقها، كما أن درجة وعي الناس هي التي تُحدد مدي تقبلهم لهذا الإجراء.. وصحيحٌ أننا لسنا مجتمعًا مُنتجًا للمعرفة العلمية المتقدمة ولذلك فإن علينا أن نتعامل مع منجزات العلوم الواردة إلينا لنعيش العصر وذلك عن طريق إجادة اللغة العربية في مراحل التعليم الأولي فصاعدًا، وكذلك إجادة لغة أجنبية تحمل هذا المنجز العلمي الكبير في الوقت نفسه؛ ثم يأتي دور المجمع في وضع معاجم تُبسط هذه العلوم لطلاب المدارس بحيث تُصبح متداولةً بين أيدي طلاب المعرفة ولا تظل حبيسة الرفوف والأدراج تجمعُ الأتربة. التعريب.. بشرط! أشاد د. مصطفي محمود سليمان، الأستاذ بكلية الهندسة بالجامعة البريطانية بمشروع القانون المُقدم إلي البرلمان، وأوضح أنه لا مانع من تعريب العلوم الطبيعية بشرط أن يكون هناك تعليم موازٍ للغات العالمية الحية: الإنجليزية والفرنسية والصينية، مشددًا أن التعريب وحده دون معرفة باللغات الأخري يُصبح ناقصًا ونُكرر به خطأ سوريا التي حاولت تعريب العلوم باللهجة الشامية.. وقال د. مصطفي: في رأيي الشخصي أن مجمع اللغة العربية أحد أسباب تدهور اللغة لأن أعضاءه لم يُطوروا شيئًا من المصطلحات العلمية حتي الآن، بل إن المجمع أصبح متحفًا تراثيًّا فقط يضم عددًا من المشايخ والعلميين الذين انقطعت معرفتهم بالعلوم الحديثة ومن ثم لم يُضيفوا جديدًا.