هذه شهادة للتاريخ سجلها الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ صلاح منتصر عن خفايا النظام السابق.. وقد سعت الأخبار من أجل الحصول علي تفاصيل هذه الشهادة وبعد عدة محاولات وافق الكاتب الكبير علي ان يحدثنا من خلال هذا الحوار عن أهم ملامح شهادته للتاريخ والتي بدأ بالفعل يدونها في أحدث كتاب يقوم باعداده الآن. ومن خلال هذه الشهادة المهمة فتح لنا صلاح منتصر خزائن أسراره سواء في داخل شارع الصحافة أو السياسة، ونراه قد تحدث عن تفاصيل كثيرة ومهمة، وأزاح الستار عن خفايا ما ارتبط بالنظام السابق ومساوئه، وبعض حسناته أيضا. وسوف يتجلي ذلك بعد لحظات عندما يدور شريط التسجيل لكي ينقل لي ولكم تفاصيل ما دار في حوار هذه الشهادة.. فتعالوا إلي هذه التفاصيل. الأستاذ صلاح منتصر أريد أن أبدأ معك الحوار من حيث اللحظة التي نعيشها الآن، ولذلك أسألك عن رأيك فيما تمر به مصر الآن؟! مصر تمر الآن بمرحلة غير مسبوقة في تاريخها.. صحيح أن مصر مرت بثورات من قبل، وإنما هذه الثورة غير مسبوقة في تفاصيلها لأنها أدت إلي تغيير نظام كان متشبثا بالحكم وقواعده قوية وله 03 عاما ومستمدا أيضا وجوده من 03 عاما أخري قبله. استمرارية الحكم دعني أسألك أيضا وفي هذا السياق.. وما هي الأسباب التي جعلت الحكم السابق يتشبث ويستمر طوال هذه الفترة؟! لأن البذرة التي زرُعت منذ عام 2591 حولت مصر إلي عزبة لرئيس الجمهورية. وأين كنتم كقيادات صحفية؟! كنا قد وقعنا علي شيكات علي بياض علي اعتبار أننا في طريق أجمل.. والقمر سوف يظهر وينور الدنيا. وهل صدقتم ذلك؟! كنا فعلا نصدق ذلك.. وكانت عبارة أفعل ما بدا لك إن رجالك.. خير تعبير وبالتالي لم نكن نضحك علي أنفسنا.. كنا بالفعل متحمسين ومصدقين ومؤمنين. خلال فترة الحكم السابق؟ أي فترة تحكم تقصد. أقصد فترة حكم مبارك.. ومن ثم أعود وأكرر السوال.. لماذا لم نجد في شارع الصحافة من رجال الصحافة من تحمل مسئولية التنبيه عما كان يحدث من أخطاء في حق هذا الشعب؟! لازم أقر وأعترف بأن مبارك لم يبدأ شيطانا وإنما بدأ ملاكاً.. ولأكثر من 51 عاما كان مبارك نموذجيا في حكمه.. كان مبارك ضد الفساد وكان هو الحاكم البسيط، الذي أراد أن يقود حركة تصنيع وطنية وأراه قد تحمل عبئا كبيرا جدا بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من سيناء، وما مر به الاقتصاد في مصر في ذلك الوقت من مشاكل وللتاريخ أقول إن مبارك قد تسلم مصر وهي مقطوعة العلاقات مع العرب، والجامعة العربية كانت في تونس.. لقد كانت مصر شبه معزولة عن العالم العربي، وقد استطاع أن يعيد هذه العلاقات.. وعايز أقولك حين تكتب التاريخ لابد، وأن تعطي للشخصيات حقها، ولا تكتفي هنا بالهدم فقط لأنه لا يمكن ان يكون هناك حاكم استمر في الكرسي 03 عاما وهو سيئ إلا إذا كان الشعب نفسه سيئا! وأين كان الشعب المصري بالنسبة لمبارك في الفترة نفسها؟! كان الشعب راضياً. وهل كان يحصل علي حقوقه؟! لم يكن هناك الاحساس بالظلم أو بالفقر.. لقد كنا نعيش في مرحلة متساوية حتي علي مستوي الرئيس نفسه، حيث كان متجاوبا مع الظروف، فنراه يلبس مما كان يصنع في مصر، وكذلك زوجته وأولاده، وبالتالي لم يكن هناك تلك الفروقات الكبيرة التي بدأ الشعب يشعر بها في السنوات الأخيرة.. ومتي بدأ الشعب في مصر يشعر باتساع هذه الفروق؟ أنا أعتقد ان هناك قضيتين مهمتين قد اشعلتا الاحساس لدي الإنسان المصري بالظلم.. قضية التوريث، والفساد. التوريث والفساد لقد اقتربت بنا كثيرا مما نريد ان نعرفه.. ولذلك نريدك ان تحدثنا، عن كل منهما تفصيلا؟ بالنسبة للتوريث.. بدأ كقضية مثارة في عام 2002 علي وجه التحديد.. ومبارك كان في ذلك الوقت ضد مبدأ التوريث.. وأنا يمكن في كتابي الذي أعده الآن.. لا يمكن ان اكشف فيه عن أسباب التوريث، أقصد هنا، أنني سوف اخصص حديثي عن هذه الأسباب كي أذكرها في هذا الكتاب!! ولا حتي بعض الملامح؟! أبدا.. ولكن ربما هناك أسباب دفعت إلي ظهور هذه الفكرة علي السطح.. ولم يكن مبارك متحمسا لها، وتصريحاته في ذلك الوقت كانت تؤكد ذلك، ويقر عن معارضته للتوريث، وأنت قد ذكرت ذلك في حوار لك مع الأستاذ إبراهيم نافع، وأنا سوف استشهد بك في كتابي فيما يخص هذه المسألة، لأنني سألت عنها ووجدتها واقعة صحيحة جدا، لكن عايز اقولك من ناحية أخري أن ذلك كان يدل علي أنه كانت هناك حوارات حول الفكرة. رجل قوي وأين كان هذا الحوار؟! داخل مؤسسة الحكم. وأنا اعتبر أن حسني مبارك وقد اختلف معي الوزير منصور حسن فيما سوف أقوله لك.. إذ أخبرته بأن مبارك كان أقوي من حكم مصر.. ولكن الوزير منصور حسن قال لي: لا بالعكس.. لقد كان أخبث من حكم مصر!0 نعود لحديث التوريث كي نسأل.. ومتي بزغ نور هذا التوريث وتحول إلي حقيقة..؟! ثم من كان يسعي إليه ويقف وراءه؟! بدءا من عام 1002. ومن كان وراءه؟! يعني أقدر أقولك.. خللي للكتاب حاجة! نريدك فقط أن تذكر لنا بعض الملامح. يعني كان فيه هناك أناس بتشجع هذه الخطوة، وكان علي رأسهم بطبيعة الحال سوزان مبارك.. وعايز أقولك في هذا السياق.. عليك ان تنظر إلي تركيبة الحكم داخل البيت وخارجه ففي خارج البيت بالنسبة لهذه القضية من المؤكد أن هناك عددا كبيرا من المنتفعين.. أما في داخل البيت ففيه القرار. داخل البيت إذن لم يكن داخل مؤسسة الحكم؟! لأ.. كان داخل البيت.. وأقصد هنا قرار التوريث.. والذي كان مرتبطا في حقيقة الأمر بقرار من الداخل وقرار من الخارج. والداخل كان أقوي وأعود بك إلي ما ذكرته منذ لحظات.. من أن مبارك كان أقوي من حكم مصر، لأنه وطوال ال03 عاما الماضية لم تظهر شخصية قوية إلي جواره!! وقد نجح هو أيضا في إخلاء الساحة من حوله من هذه الشخصيات! إذن تم ذلك بفعل فاعل؟! ثم بخبث وذكاء!.. لأنك لا يمكن ان تتصور أن شخصا يستمر في الحكم كل هذه الفترة ويكون ساذجا. وهل كان بالفعل ذكيا؟! كان ذكيا فقط مع نفسه.. مع أنه بدأ زاهداً في الحكم، وسمعناه يؤكد أن ولايته الأولي في الحكم لن يكررها، ثم في الولاية الثانية، أعلن كذلك أنها سوف تكون أيضا آخر ولاية، أما في ثالث ولاية.. اصطنع كمال الشاذلي تمثيلية من أجل الترويج لها .. عندئذ تحولت الحكاية من سنة إلي فرض، وبالتالي أصبح هو والكرسي واحدا.. وهذه تحدث لأي واحد في أي منصب لذلك تراها حدثت لرؤساء التحرير ولرؤساء مجالس إدارة الشركات.. وأنا كنت خائفا أن اصل إلي هذا الشعور، ولذلك عندما بلغت السن القانونية- أرسلت خطابا أقوله فيه كفاية، خوفا من أن أصبح جزءا من الكرسي الذي أجلس فوقه. وماذا تقصد بداخل البيت؟! ومن هم بالضبط؟! أقصد علاء وجمال وسوزان وحسني، لأنه لم يكن يؤمن بأحد من خارج بيته!.. وكان يؤمن بأفكار أهل بيته.. خاصة في الفترة الأخيرة.. لماذا.. لأنهم كانوا من قبل صغيري السن.. إذ تعرف أن جمال مبارك كان يبلغ 21 عاما، عندما حكم أبوه لأول مرة، ومع مرور السنوات ووالده في الحكم أصبحت لديه أفكار.. في الماضي لم يكن له دور.. لأنه كان مايزال شابا صغيرا.. وعايز أقولك أكثر من ذلك إن مبارك وأسرته كانوا مترابطين جدا جدا جدا.. لماذا.. لأنهم كانوا أشبه »بجيتو« معزول! فأصدقاؤهم محدودون، واتصالاتهم محدودة، والدليل علي ذلك أن مبارك أقسم لي أنه لم يذهب في حياته إلي شيراتون أو هيلتون، ولا كان يعرف طريقهما أيضا. وهل هذه العزلة كانت تفرض علي هذه الأسرة.. أم هي طبيعة خاصة بهم؟ دي كانت طبيعة خاصة بهم.. وهو لذلك كان دائما قلقا.. وعايز أحكي لك واقعة مهمة.. أنه لما تلقي خبر اختياره في منصب نائب رئيس الجمهورية من أنور السادات، أبلغ أحد اصدقائه، عن تخوفه ممن كانوا حول السادات في ذلك الوقت مثل أشرف مروان، وعثمان أحمد عثمان، وسيد مرعي.. وقد خشي منهم أن يضعوه تحت أسنانهم، ومن حسن حظه أنه عندما وصل إلي رئاسة الجمهورية كانت الساحة قد خلت من كل المنافسين إلا من منصور حسن الذي كان منافسا له.. ولكنه أيضا قد انسحب.. ولدي عبارة سوف أذكرها في كتابي هذا المشار إليه وسوف أقولها لك.. إنه في يوم المنصة تصدي واحد ولم يخف فأصبح شهيدا.. وآخر اختفي تحت الكرسي فأصبح رئيساً!.. »فاصل من الضحك وقد شاركت فيه أنا أيضا« حالة اختلاف وهل اختلفت مع الرئيس السابق؟! في حاجات مرتبطة بالعمل الصحفي.. مثلا.. نشرت مرة حديثا للأستاذ هيكل، فاتصل بي مبارك وقال لي هو أنت قرأت العنوان المكتوب في هذا الحوار.. رغم أنني كنت الذي كتبت هذا الموضوع.. والعنوان أنا فاكر كلماته كانت تقول: الذين يكتبون خطب مبارك يورطونه في مواقف حرجة! وواقعة أخري أن أخاه في مرة كان يريد أن ينشئ حزبا ونشرت ذلك أيضا في المجلة ففوجئت به يكلمني ويقول.. قوله إبقي يقابلني لو يشوف اللي هيساعده في إنشاء هذا الحزب!! وهل كتبت خطب مبارك؟ إطلاقاً.. ولم يطلب منك؟! علي الاطلاق! ما هو تقييمك للفساد من زاويتين الأولي بخصوص ما نشر وينشر عن حجم هذا الفساد.. والثانية ما كنت تراه وتشعر به شخصيا؟! أقسم بالله أنني لم أكن أعرف أن الفساد بهذا الحجم! ولذلك فوجئت به.. صحيح كنا نسمع بعض الحكايات عن هذا الفساد مثل العمولات وغيرها.. ومع ذلك أقول إننا مازلنا في مرحلة تحقيقات ولم تصدر أحكام نهائية.. وأرجو ألا يكون الفساد بهذا الحجم. وفي تصورك ما مصدر هذا الفساد؟ لدي يقين من أن هذا الفساد بدأ من الأولاد.. أولاد الرئيس السابق.. فجمال مبارك اشتغل في ديون مصر، لقد كان فسادا حقيقيا، إذ كيف يشتري ابن الرئيس ديون مصر؟! الأسباب وما هي أسباب زحف هذه الفيروسات تجاه عائلة مبارك؟! أولا من أهم هذه الأسباب الاستمرار والبقاء في الحكم.. لأن احساسك حين تجلس علي كرسي الحكم وأنت سوف تتركه بعد فترة، غير احساسك بأنك لن تتركه أبدا، وثانيا: إن الفاسدين والمنتفعين وجدوا البيئة الصالحة، كي يغرسوا بذور هذا الفساد ويجمعوا ثماره.. وثالثا: رغبة الأولاد أنفسهم عندما كبروا وبالتالي أصبحوا يريدون أن يعملوا ويكسبوا، إضافة إلي الزواج والنسب، والمساعدين الذين كانوا من حولهم.. مثل حسين سالم والذي أراه أمامي لغزا خفيا.. وبالتالي أعتبره فيروسا لوحده.. وهل كان ذلك مصدره شخصية مبارك التي لم تكن تميل إلي التغيير؟! طبعا.. كان دائما ما يقلم أظافر كل من كانوا حوله ولذلك كان دائما ما يستمتع ببقاء الشخصيات الكريهة والتي تدور حولها الشبهات.. وماذا عن الفساد في الصحافة والإعلام؟! أرجوك أن تعفيني من الحديث عن هذا الفساد! لانني انتمي إلي جيل من الزملاء الأعزاء.. وأنا في رأيي ان هذا الجيل قد دفع ثمنا غاليا جدا جدا.. لأنه بدأ حياته الصحفية في ظل الرقيب الذي يوافق أو لا يوافق علي ما يكتب، كما بدأ في ظل الخوف المتمكن والذي جعله يخاف من كلمة يكتبها، ولك ان تتعجب انه في ظل النظام السابق، ظهر جيل جديد من شباب الصحفيين الذين اتصفوا بالشجاعة أكثر منا وذلك نظرا لمساحة الحرية التي بدت في الأفق منذ أيام السادات وامتدت لفترة في حكم مبارك خاصة في المرحلة الأولي! وهل انتشار الفساد في تاريخ الصحافة كان مقصودا أم ولد بالصدفة؟ لقد عرفت مؤخرا أن مبارك كان يعرف بفساد الصحفيين وكان يتغاضي عنه، لأنه اصبح منهجا، وعلي فكرة لقد عرفت هذه المعلومة ربما من أسبوع فقط! الثورة وماذا عن ثورة 52 يناير؟! إنها ثورة فريدة في التاريخ، لأنها ثورة بلا قائد.. وده سبب رئيسي في نجاحها! كما أنها تخطت كل توقعات رجال الأمن في النظام السابق.. هؤلاء الذين كانوا ينظرون إلي أي تجمع علي أن وراءه إما منظمة أو قائد أو تمويل.. والثورة لم يكن بها أي شئ من كل ذلك. وهل تتصور أن النظام السابق فوجئ بهذه الثورة؟! طبعا فوجئ بها وبأحداثها وبنتائجها. ولماذا؟ لأنه كان علي يقين من أنه يقبض بيد من حديد علي الحكم وأنه يستطيع تنفيذ ما يريده! ودعني أعود بك للحديث عن انتخابات 0102 واقول لك واستأذن في استخدام هذه الكلمة: فاجر في السلطة!.. ذلك لأن من قام بتزوير هذه الانتخابات هو بالفعل فاجر في السلطة! وهل فوجئت بسقوط النظام السابق؟ إلي حد ما!.. لأنني كنت خائفا علي مصر.. نظرا لما بداخلي من تحوطات أكثر من أي شاب.. وتحوطات جاءت من التاريخ الذي عايشته والتجارب والتاريخ الذي قرأته ولذلك تجد ان أول مقال كتبته بعد وصولي من الخارج أول فبراير.. أنني قلت فيه أن عاطفتي مع الشباب وعقلي خائف وتحملوا رأي رجل عجوز خائف علي مصر، والله العظيم لقد بكيت وأنا أكتب هذا العمود. وهل ذهبت إلي ميدان التحرير؟ نزلت الميدان بعد قرار تنحي مبارك. وهل لم تذهب إلي هذا الميدان قبل ذلك؟ لا أزعم.. لأنني كنت في الخارج.. وقد رجعت أواخر يناير.. وبالتالي عاصرت بعض أحداث الثورة مثل معركة الجمل وتجاوزات رجال الشرطة.. ومن هنا بدأت أشعر بالنجاح القريب. وهل تخاف الآن علي الثورة؟ الثورة.. من المفترض ومثلما نعرف جميعا انها تبدأ بما لا نريده، وتنتهي إلي ما نريده.. وبالتالي علينا أن نقيم ما نريد.. وقد حققنا بالفعل كل ما لا نريده.. وعلينا أن نأخذ خطوات إلي الأمام من أجل البناء، أضف إلي ذلك غياب القيادة المؤثرة في هذه الثورة.. وتلاحظ هنا ايضا عدم استعداد الأحزاب لكي تمارس دورها في الإطار الديمقراطي. هل لم تكتب عن روشتة سياسية لعلاج ما نحن فيه؟! لا أدعي ذلك.. لكن ربما أفكر في ذلك فيما بعد.. ولا أدعي أيضا أنني استطعت التوصل لتفاصيل ما تقصده.. ولازم اقولك إننا الآن نمر بمرحلة خلط الأوراق وهو أمر طبيعي يحدث بعد كل ثورة.