لا يمكن تجاهل العديد من القضايا التي تثار هذه الأيام في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام, ففي حين نلحظ توالي العديد من الأنشطة الثقافية وتباينها, لا يمكن في هذا إغفال رصدها للواقع الثقافي وإعادة تفسيره في ضوء ما تقدمه هذه التجليات.. نعلم أن الاعتماد علميا في تفسير التاريخ يعود إلي التأني في فهم ما تقدمه المصادر التاريخية الموثوق بها. لكننا نعلم أيضا أننا نستطيع الاعتماد علي العديد من هذه الشهادات والتجليات والشهادات والموائد الفكرية أو' المصادر الحية' في تفسير العديد من الأحداث.. دار هذا كله بعقلي إبان مناقشة كتاب' سيرة الحبايب' للكاتبة الكبيرة سناء البيسي في معرض هذا العام.. إن الكاتبة التي شهدت تطور العديد من الأحداث العربية في نصف القرن الأخير, وشاركت في العديد منها, تصبح_ بالقطع_ أحد أصحاب الشهادة في هذه الفترة العصيبة من تاريخنا بين المد الثوري في الخمسينيات ثم في تجلياته المتباينة إبان السبعينيات من القرن الماضي حتي اليوم, الكاتبة منذ البداية تحاول إيهامنا بأنها لا تكتب تاريخا, غير أن شهاداتها المتوالية عبر العديد من الأحداث والشخصيات تؤكد أنها تجاوزت الحكي والسرد والتعليق إلي غير ذلك من ألوان الطيف التي تسعي لوضعنا فيه, حيث لا يمكن للمؤرخ الجاد أن يغفل هذه الشهادة بعيدا عن أرشيف الدولة وتشريعاتها ووثائقها, ويغلب الشكل العام علي الشهادة التاريخية في عديد مما تكتبه بشكل دوري في الدوريات, وتنفله بوعي فائق ممن عاش في هذه الفترة وأسهم فيها.. إن الكاتبة التي لا تمل_ في حيلة واعية_ من تريد عبارة' ليس تاريخا' تنقل لنا العديد من وقائع التاريخ عبر هذا الحكي مع_ أو عن_ خالد محمد خالد ومحمد نجيب ومحمد التابعي وأحمد بهاء الدين وجلال الدين الحمامصي وعبد الرازق السنهوري وعبد الوهاب المسيري وصلاح جاهين.. وقبل هذا وبعده نقل الشهادات مع أو عن العديد من الأشخاص المعاصرين لها أو السابقين عليها, هي في كل الحالات تمر من مركز' الشهادة' إلي مسحات الدائرة البعيدة في السياسة والفن والدين والقانون.. ولأن لكتابة التاريخ قوانين علمية, فإن محاولة' تصويب الذاكرة' في تعبيرها يصبح مرتبطا بالتأني وإعادة النظر, وهو ما نستطيع في ذوبه فهم ما يحدث حولنا في هذه المعاصرة التي نملك فيها العديد من المادة التاريخية في وقت لا نغفل فيه كما تؤكد لنا حركة التاريخ هذه الشهادات الحية التي تسعي لتأكيدها الكاتبة عبر العديد من أشكال الكتابة كاللوحة القلمية أو فن البورتريه; إلي غير ذلك من أشكال التعبير... ومن هنا, فإن كاتب هذه السطور لم يغفل أن هذه السيرة أو الشهادة المعاصرة التي تقدمها الكاتبة يمكن أن تجيب عن أسئلة لا يستطيع المراقب التعرف عليها من النص التاريخي; وهو ما يلفت النظر حين نحاول الإجابة عن أسئلة حائرة من مثل: - من الذي اعتدي علي السنهوري في بداية الخمسينيات؟ - من هو المسئول عن إقالة صلاح عبد الصبور من منصبه في الستينيات؟ - كيف كان مصطفي أمين يلعب دوره بين' الصحافة والسياسة' حينئذ؟ إنها إجابات لا يمكن الحصول عليها بالقطع عبر الوثيقة الرسمية بقدر ما يمكن الوصول إليها عبر التنبه إلي قواعد التاريخ وقد أصبح خضوع'الشهادة' المعاصرة أحد تجلياتها.. وحين نقف هنا عند مثال محدد, يمكننا التعرف عليه_ علي سبيل المثال أيضا- عند طه حسين, حيث كان اتهام طه حسين معلنا في الخمسينيات بأنه قبل يد الملك, فيأتي صوت طه حسين شاهدا وعاليا: '.. والله يشهد أنني ما قمت بتقبيل يد أحد من الناس ألا أن تكون يدي أبوي أو يد بعض شيوخنا في الأزهر رحمهم الله' إن شهادة طه حسين هنا لا يمكن التقليل منها, فقد رأي كما أكد' إن الكرامة والوفاء والصدق في خدمة الوطن أغلي من المال والسلطان' وهو يضيف إلي الإعلان(= الشهادة) النشر(=الشهادة) وهو ما نتأني فيه بوعي وشفافية لشهادة عميد الأدب العربي, وعلي الرغم من أن كاتب هذه السطور أكد بشكل علمي علي تردد عن المثقف المتمرد بعد ثورة يوليو.. فنحن نري في شهادة طه حسين أو ممن نقل شهادته اعترافا واعيا خاضعا لشروط البحث العلمي.. وهو ما نتأني فيه عند إعادة النظر في عديد من القضايا الأخري كالاعتداء علي السنهوري والموقف من الشاعر أو الصحفي.. إلي العديد من الحسم في هذه القضايا كما نعرف اليوم.. * أعود وأكرر هنا أن السيرة_ كما نراها هنا_ أو الشهادة الواعية_ عبر' الأجندة' اليومية أو خارجها يمكن أن تصبح من أهم هذه المصادر العلمية إذا استطعنا التنبه إليها.. الورقة الأخيرة: قال الإمام علي: لاتستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه