غريب ما يقوله الآن »عبدالحليم خدام« عن الثورة الشعبية السورية، مؤيداً لها ومندداً في الوقت نفسه بالنظام الحاكم برئاسة »بشار الأسد«. فالسيد/ خدام كان الرفيق الأول للرئيس الراحل حافظ الأسد، وبوق نظامه خارج البلاد ووزيراً للخارجية ومخططاً سياساتها، ومواقفها، وغزواتها، وتدخلاتها في أدق الشئون الداخلية للعديد من الدول العربية الشقيقة. يكفي أن نتذكر أنه هو -»خدام«- الذي ظل حاضناً للتدخل القمعي في الشأن اللبناني، طوال عقود عديدة ماضية، حتي رحيل حافظ الأسد وبعد تولي ابنه »بشار« الحكم إلي أن اختلف مع الإبن وخاف علي نفسه منه، فترك دمشق متخلياً عن منصبه: كنائب رئيس الجمهورية، وآثر النفي في العاصمة الفرنسية حتي الآن. بقدر ما كان عبدالحليم خدام مدافعاً مستميتاً عن نظام الأسد الكبير، وبداية نظام الأسد الصغير، أصبح -حالياً- المعارض الأعنف والأشرس للنظام، والمتفرّج -من المنفي- للتنديد به بالكلمة والصورة عبر أجهزة الإعلام العالمية.. بمناسبة، أو بدونها! فبمناسبة الخطاب الأخير الذي ألقاه »بشار« يوم الاثنين الماضي، سارع »خدام« بالتعليق عليه واصفاً الخطاب بالمثل الشعبي الدارج والقائل: »العرس بالمزّة، والطبل في حرستا«، تدليلاً علي أن الرئيس بشار الأسد »تطرّق إلي كل القضايا الثانوية في البلاد إلاّ الأزمة الحقيقية التي تعصف بالشارع والتي يثور الشعب من أجلها، وهي هوية النظام الشمولي القمعي الذي لا يمكن في ظله معالجة أي مشكلة أو قضية، وإنما يجب تغييره هو وكل أدواته وعناصره كي ينتهي القمع والتزوير والفساد وتتحرر سورية من الظلم والمهانة«. لم يكتف نائب رئيس الجمهورية المخلوع بالتنديد بنظام الأسد الابن -الذي خدمه ودافع عنه، كما سبق أن تفاني في خدمة نظام الأسد الأب الراحل.. حتي آخر يوم له في دمشق قبل مغادرتها إلي باريس - أقول: لم يكتف »خدّام« بهجومه علي ما جاء في خطاب »بشار« الأخير، وإنما أضاف إليه تنديده بالنظام السوري ككل، قائلاً -نقلاً عن موقع: »سوريا الحرة«- [إن نظاماً يصر علي المساواة بين أدواته المهترئة والديمقراطية لا يعرف معني الديمقراطية الحقيقية. وهو يكذب ويحاول تغطية سماوات ارتكاباته بقنوات كلمات لم يعد أي سوري أو أي شخص في العالم يقنع بها أو يصدقها]. والحل كما يراه »خدام«: [لا حل إطلاقاً إلا بتغيير النظام. فقد كشف خطاب الأسد -ربما لا يدري- عن حجم الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية، وكلها عوامل مربكة له وتسهّل قيام الثورة ضده وعمليات الانشقاق المتوقعة من أعضاء في الحزب ومن عناصر مهمة جداً في الجيش. فبشار لم يجد رداً علي الانذارات الموجهة من الداخل والخارج إليه وإلي زبانيته سوي القول إنه مستمر في القمع والقتل والاعتقال والتهجير.. غصباً عن العالم كله]. وانتهي »خدام« في تصريحاته ساخراً، ومستخفاً، بإعلان »بشار« عن تشكيل لجنة لمكافحة الفساد دون أن يحدد أين يكمن هذا الفساد؟! ولم ينتظر »خدام« رداً علي سؤاله، وإنما تطوّع بإجابته قائلاً: [إن الفساد يكمن عند بشار، وعند شقيقه، وأقاربه، وابني خاله: محمد ورامي مخلوف، وعند البطانة المحيطة به التي تصفق له وتشجعه علي الاستمرار في مساره التهديمي للبلد ومقوماته]. لا اعتراض علي ما قال »عبدالحليم خدام«.. لكنه نسي -سهواً أو عمداً- أن يرد علي كم القضايا التي أمر بشار الأسد برفعها ضده - بمجرد انشقاقه وهروبه إلي باريس- وضد العديد من أفراد عائلته، وكلها قضايا تتهمهم بالفساد وتحقيق ثروات طائلة، لا تقل أرقامها عن أرقام الثروات الهائلة التي قيل إن آل الأسد استولوا عليها!