من أغرب الاحداث التي شهدها عام 2005 قبل انصرافه شهادة عبدالحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري ضد نظام بشار الاسد في دمشق. فاجأ خدام المراقبين بشهادته التي اذاعتها علي مدي ساعة ونصف الساعة فضائية العربية وقرر خلالها ان الرئيس بشار الاسد سبق ان هدد المرحوم رفيق الحريري.. واكد ايضا ان رستم غزالة المسئول السوري الاول عن لبنان في لبنان اساء معاملة اللبنانيين وتحرش بهم في مواقف عديدة. ومغزي شهادة خدام انه لا يستبعد تورط سوريا في اغتيال الحريري، كما انه يدعم تقرير ميليس الشهير الذي اجتهدت دمشق خلال الاشهر الماضية لتبعد شبهاته عنها. ويأتي خدام ليقول انه يثق في تقرير ميليس ويعطي صفعة قوية لدمشق التي وقعت تحت حصار شديد تقوده الولاياتالمتحدة وفرنسا لمعاقبتها علي جملة مواقف سبق ان اتخذتها في الصراع الاقليمي بالشرق الاوسط، ويأتي العقاب علي خلفية اغتيال الحريري دون ذكر المواقف الاخري التي تعاقب عليها دمشق. ولست بصدد تقييم الموقف السوري من القضايا المختلفة، الذي أدي في نهاية الامر الي تدويل قضية الحريري ودفع سوريا الي مواجهة مجلس الامن وبالتالي الوقوع تحت طائلة العقوبات الدولية اذا استمر تدهور الاوضاع علي النحو الذي يحدث حاليا. وربما كانت شهادة خدام "المقيم حاليا في باريس" قد جاءت لتعادل أو تزيل تأثير تلاعب حدث بشهادة الشاهد الرئيسي في القضية وهو سوري مقيم في لبنان حين تراجع فجأة وقال انه ادلي بشهادته تحت تأثير ترغيب وترهيب ولكن ما يثير حقا هو الوصول الي خدام نفسه باعتباره شاهدا ضد نظام بشار الاسد. وكان خدام قد استقال من جميع مناصبه في الصيف الماضي علي اثر اجتماع لجنة حزب البعث في دمشق وغادر بعدها الي باريس ولم يظهر له اي موقف معاد لدمشق حتي فاجأ الجميع بشهادته التليفزيونية. والحقيقة ان شهادة خدام ضد دمشق يمكن ايجاد مبرر لها من إبعاده عنوة ورغبته في الانتقام، وربما لانه كان يري نفسه البديل الطبيعي للرئيس الراحل حافظ الاسد واشياء اخري من هذا القبيل، ولكن المثير حقا ان تصف بعض الصحف الاوروبية هذه العلاقة الغريبة بانها نتيجة ان خدام "سني" يواجه نظاما علويا شيعيا في دمشق. خدام خدم ذلك النظام طوال عمره ودافع عن مصالحه، فلماذا اذن اثارة الموضوع الطائفي حين تختلف المصالح؟ ربما كان خدام صديقا شخصيا للحريري وربطتهما "مصالح" كثيرة، ولكن القول بان خدام "سني" ونظام دمشق شيعي علوي هو قول مضحك للغاية وليس له اي مناسبة في السياق الذي نتحدث عنه. إن دمشق واقعة في مأزق حقيقي بشهادة خدام او بدونها والسبب الرئيسي في هذا المأزق هو انفصال دمشق عن الواقع الدولي وما يجري فيه من متغيرات ولا شأن للسنة او الشيعة بهذا الموضوع.