جاءت القنبلة السياسية التي ألقاها نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام في الساعات الأخيرة من العام الراحل لتعمق الأزمة السياسية التي يواجهها نظام الرئيس بشار الأسد التي تفجرت مع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وكانت سببا في انهاء وجودها العسكري بلبنان فيما وصف بالزلزال. ومن المؤكد ان هذه الاتهامات التي ساقها خدام ستكون لها تداعيات كبيرة علي مجمل تطورات الأحداث بالمنطقة وعلي الرئيس بشار الأسد شخصيا. ويذهب المراقبون إلي أن ظهور خدام الاعلامي سبقه خطة عمل متعددة الاضواع شاركت فيها قوي ودول عربية وغربية. ويري المراقبون أن تصريحات خدام، لن تمر دون ارتدادات سياسية وأمنية عنيفة قد تشهدها دمشق، وأن هذه التصريحات ستصب حتماً في خانة التحريض، وستسارع من وتيرة الاتهامات ضد دمشق. وستمثل مستنداً جديداً في يد لجنة التحقيق في اغتيال رفيق الحريري. كما يسود اعتقاد كبير أيضاً بأن خدام سيكون شاهدًا رئيسًا في قضية التحقيقات باغتيال رفيق الحريري من الآن كونه أحد أركان السلطة، وأحد العالمين بخفايا أمورها، وكلامه سيكون له مصداقية كبيرة، ولاشك أن ما تمارسه قوي خارجية من ضغوط علي سوريا سيعول كثيراً علي تصريحات الرجل الثاني السابق في النظام. فقد تطرق خدام إلي القضايا الشائكة.. وجاء تحميله سوريا مسئولية اغتيال الحريري بشكل أكثر من صريح "لم يخطر ببالي في لحظة من اللحظات أن تقوم سوريا بإغتيال رفيق الحريري... إطلاقاً"، وهكذا حمل خدام بدون مقابل معلن كما يبدو بلاده دم الحريري، وصار علي دمشق أن تقدم (الدية) التي لا يستطيع أحد حتي الآن أن يتنبأ بحجمها وتكلفتها، ليس علي سوريا وحدها بل وعلي المنطقة العربية أيضاً. ويري المحللون أن مستندات التشكيك في أهداف عبدالحليم خدام من وراء تصريحاته كثيرة، نظراً للخلفيات التي سبقت هذه التصريحات، وأيضاً الطقوس التي صاحبتها، وكذلك عملية الإعداد الجيد التي بدت من خلاله.. إلا أن محاولات إثبات عدم نزاهة الرجل أو التشكيك في وطنيته وولائه لبلاده، أو عمالته لآخرين لن يقلل كثيراً من قوة هزتها علي النظام السوري داخلياً وخارجياً ، وفي هذا الإطار أشار المحلل السياسي (أحمد حاج علي) بقوله: "ليست القصة دائماً فيما يمكن أن نقوله، ولكن فيما يجب أن يؤدي إلي نتائج". واستطرد: "ما هي وظيفة هذا الحديث؟ ومن المستفيد الآن في هذا الوقت؟ إذا تجاوزنا قصة الموضوعية، وكيف لرجل مسئول ربط كل عمره بحياة بلده أن يطلق حديثاً، وأن يطلق معاني بهذه الاتجاهات". وكشف خدام ان بلاده سلمت وطبان الحسن الاخ غير الشقيق لصدام حسين الي القوات الأمريكية، كما ابعدت الي العراق ابني الرئيس المخلوع ورفضت استقبال وزير الخارجية السابق طارق عزيز في مسعي "لتخفيف الضغوط الأمريكية". وقال خدام ان تسليم وطبان وابعاد عدي وقصي اللذين قتلا خلال هجوم للقوات الأمريكية علي منزل كانا يختبئان فيه في الموصل شمال العراق في يوليو 2003، جاء في سياق محاولات القيادة السورية تخفيف الضغوط الأمريكية عليها. وجاء كشف خدام عن هذه المعلومات في اطار ما وصفه من فشل القيادة السورية وتخبطها خلال تعاطيها مع الضغوط التي تكثفت عليها من قبل الولاياتالمتحدة التي كانت تريد اجبار سوريا علي عدم معارضة سياستها في العراق. وقال "كيف تكون هناك ممانعة للسياسة الأمريكية ويجري ان بقي التعاون مستمرا ونشطا بين اجهزة المخابرات الأمريكية والسورية حتي (يوليو) 2005؟، ممانعة من هنا وتعاون مع اجهزة المخابرات من هنا!!". وتابع "الامر التالي.. لماذا تم تسليم وطبان الحسن؟. لماذا؟ جاء في اطار تخفيف الضغوط الأمريكية واسترضاء الأمريكان. لماذا توسيط بعض الدول العربية لفتح الحوار مع أمريكا..وعدي وقصي اكتشف وجودهما وجئ بهما الي الامن ووضعا علي الحدود وقيل لهما اذهبا..وطارق عزيز رفض استقباله". ومضي قائلا "اتخذت هذه الاجراءات لارضاء الأمريكان". ومع ذلك، اعتبر نائب الرئيس السوري السابق ان السيناريو العراقي، في اشارة الي الحرب الأمريكية في العراق، "غير وارد اطلاقا" في سوريا، معتبرا ان الولاياتالمتحدة "لن تستخدم القوة العسكرية ضد سوريا". واضاف خدام "الا ان حالة الضغوط النفسية والسياسية حالة معوقة للبلاد ومقلقة لان سوريا تعيش في وضع لم تره منذ الاستقلال". واعتبر ان سوريا تعيش اليوم "في عزلة عربية وعزلة دولية وتهديدات مستمرة وهذا يشكل قلقا كبيرا عند المواطن السوري". واضاف خدام "ليس هناك من سبيل لحماية سوريا الا بتعزيز الوحدة الوطنية مع كل الاطراف حتي مع الذين كانت بيننا وبينهم خصومات دامية"، في اشارة الي جماعة الاخوان المسلمين الذين حصلت مواجهة بينهم وبين قوات الامن السورية عام 1983 ادت الي حظر نشاط هذا التنظيم. وتابع خدام ان هذا الامر "يتطلب اتخاذ قرارات جريئة بما فيها تعديل الدستور". واضاف "لا يجب ان نرتكب خطيئة صدام حسين الذي اغلق اذنيه وعقله عن نداء المعارضة العراقية للحوار، فماذا كانت النتيجة؟ امر لم يكن احد يتوقعه وهو ان المعارضة العراقية والتي هي حليفة لسوريا وايران شكلت الغطاء السياسي للحرب الأمريكية علي العراق". واعتبر انه "علينا الا نترك مبررا لاي مواطن سوري في ان ينزلق خارج مصلحة الوطن من دون ان اقول ان سوريين سيتعاملون مع الأمريكيين". وتابع "عندما يري المواطن السوري ان قيادته عملت علي تحقيق الاجماع الوطني وعملت علي جلب كل الناس الي داخل الوطن وعلي ان تكون الوحدة الوطنية هي الجدار لحماية الوطن عندها سيكون هناك اجماع شعبي علي النظام وسينسي الناس كل الاخطاء السابقة". وتساءل قائلا "لكن عندما نري عشرات السوريين ممنوع عليهم العودة الي سوريا واذا عادوا سيدخلون السجن، الا يغذي هذا الامر الاحقاد؟ ان البلد اهم من النظام". وأعلن خدام انه اقترح علي الرئيس السوري "انتهاج سياسة الحوار وليس سياسة المواجهة" مع الولاياتالمتحدة. وقال انه اقترح علي الاسد "اتباع سياسة الحوار وليس سياسة المواجهة" مع الولاياتالمتحدة. واضاف خدام انه دعا الي اتباع سياسة الحوار هذه مع "التمسك القوي بالثوابت الوطنية القومية لانني ادرك ان التفريط بهذه الثوابت او ببعضها او ببعض قليل منها سيؤدي الي سلسلة من التنازلات".