أما وقد مرت مياه كثيرة في النهر منذ 25 يناير وما تلاها من رياح التغيير آن لنا أن ننظر حولنا خارجياً وداخلياً في كل ما له تأثير علي الشأن المصري سلباً وايجاباً. المتابع لكارثة فوكوشيما لابد وأن يتذكر المثل البريطاني القائل أن سوء الحظ والمصائب يحبان بعضهما وقلما يأتي أحدهما دون الآخر في الكوارث الكبري ،فقد دخل سوء الحظ من بوابة عدم الالتزام بمعايير السلامة النووية تمثلت في كون محطات التبريد بالمياه والتي تعمل بالكهرباء ليس لها مصدر بديل آخر للتبريد يعمل بالوقود السائل تحسباً لحالة انقطاع التيار الكهربائي والتي لم تشهدها اليابان مرة واحدة منذ أكثر من خمسين عاماً. أما المصيبة فقد تمثلت في الزلزال المدمر الذي أعقبه الموجات المائية العملاقة في صورة تسونامي والتي اكتسحت الساحل الياباني مخلفة وراءها دماراً يفوق الوصف مع انقطاع لمصادر التيار الكهربائي غير القابلة للإصلاح خلال مهلة تصاعد الحرارة في مفاعلات فوكوشيما الستة. يحدث هذا في دولة اليابان التي يقدس أهلها العمل والطاعة والنظام والانضباط بأعلي المعايير التي يعرفها كوكب الأرض. ومن عجب أن العالم الغربي الذي تعالي علي كارثة تشيرنوبل السوفييتية باعتبارها إحدي نتائج الفجوة التكنولوجية بين التكنولوجيا الغربية والشرقية فوجئ بتطابق الحادثتين اليابانية والسوفييتية من حيث وصف حالة ما يسمي بالأزمة وتصاعد حدتها ووصولها إلي نقطة اللاعودة وانفلات الموقف وتماثل الجهود المبذولة لتبريد الأقطاب النووية دون جدوي ثم الانفجار وانطلاق الإشعاعات المدمرة وحتي حلول ما بعد الأزمة من دفن المحطات تحت أطنان من الخرسانات السميكة التي تقلل من اختراق الأشعة لها فقد كان حلاً سوفييتياً طبق في تشيرنوبل منذ 25 عاماً قبل أن تأخذ به اليابان متخذة نفس النمط دون أي تغيير، كما لو كانت حادثتا تشيرنوبل وفوكوشيما وجهين لعملة واحدة رغم اختلاف الزمان والمكان وعوامل التقدم التكنولوجي عبر الحقبة الزمنية. ولقد ارتفعت أصوات في مصر في الآونة الأخيرة تطالب بالإسراع في تطبيق مشروع إنشاء أول محطتين نوويتين لتوليد الطاقة الكهربائية بالضبعة دون أي التفات لرد فعل الدول الصناعية الكبري المستخدمة للطاقة النووية من توجس واحتراز كبيرين بخصوص مستقبل المحطات القائمة في ضوء الدروس المستفادة من حادثة فوكوشيما كما لو كنا نحيا بمعزل عن ردود الفعل العالمية بشأن مستقبل استخدامات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وهو اتجاه من الواضح أنه لم يمر بنفق متابعة الأخطار المتعددة والكبيرة التي تكتنف هذا الاتجاه والدراسات العديدة التي أفرد لها المجال لتعدد تلك الأخطار توصيفاً وتحليلاً وأثر ذلك علي مستقبل البلاد والعباد. كما لم يتطوع أحد من المؤيدين لهذا الاتجاه ليجيب لنا كأبناء لهذا الجيل والذي يعد مسئولاً عن مستقبل الأجيال القادمة علي السؤال البسيط والمبدئي عن كيفية التخلص الآمن من النفايات النووية والتحوط الذي يراه نتيجة للتغيرات المناخية وغير المناخية المحتملة من ارتفاع منسوب المياه الجوفية ناهيك عن الأخطار المحدقة بالمفاعلات ذاتها من احتمال توقف محطات التبريد بالمياه لسبب أو لآخر أو تعرض المنطقة لزلازل أو انخفاضات أرضية في المنطقة المحيطة أو تعرضها لخطر إرهابي دون أن نغفل احتمال تعرض أنظمة الكمبيوتر المركزية للاختراق الفيروسي مما يعرض أجهزة التحكم للشلل التام. أما عن رد الفعل العالمي وتأثير كارثة فوكوشيما علي مستقبل صناعة المحطات النووية فسيكون ذلك موضوع حديثنا القادم.