ليس من الصواب التعامل باستهتار مع تقرير صادر عن مركز في قوة وقامة مجموعة أبحاث الايكونوميست البريطانية.. وقد يمكن أن نقول إن الجزء السياسي في هذا التقرير هو القسم السلبي الوحيد فيه رغم أنهم في هذه المجموعة لايترددون لحظة في انتقاد الحكومة البريطانية أو الادارة الأمريكية. أما باقي التقرير, الذي يتصدي للتطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخ في مصر فلا أدري ماذا أقول ؟ يكفي أن التقرير يقول صراحة وبكل وضوح اننا في مصر مؤهلون تماما لأن نكرر تجربة كوريا الجنوبية في النمو الاقتصادي والصناعي ويقول انه حدثت نقلة اقتصادية واجتماعية وثقافية ولم تحدث مثلها في السياسة. 1 يقول التقرير انه خلال الفترة من عام1990 وحتي عام2009 انخفضت وفيات المواليد من78.5 في الالف الي34.8 وارتفعت نسبة التعليم من57% الي72%, وزاد استهلاك الفرد الواحد من الكهرباء من644 كيلو وات ساعة الي1460, وزادت اعداد التليفونات الثابته والمحمولة لكل100 نسمة من2.8 إلي79.1 ثم ان عدد سيارات الركوب ارتفعت لكل ألف مواطن من18.7 إلي33.3 سيارة. هذه الأرقام تكشف بوضوح عن حجم التحسن في مستوي معيشة المواطن. ولذلك فالتقرير يقول ان المصريين الحاليين في عام2010 لايمكن ان يصدقوا أنهم كانوا يتمنون مجرد امتلاك راديو ترانزستور عام1960 وكانوا يعتبرون من يحوز مثل هذا الراديو انسانا محظوظا! التقرير أيضا يقول, إن99% من منازل وبيوت مصر تدخلها الكهرباء, والمياه الجارية النقية للشرب تدخل97% منها, وأن التليفزيونات التي تتلقي الإرسال الفضائي توجد في أكثر من66% من البيوت. وبالرغم من خسارة مساحات واسعة من أجود الأراض الزراعية لصالح التوسع العمراني, فإن مصر الآن تستورد من الخارج طعاما اقل مما كانت تفعل في عام1980 وأحد اسباب ذلك يرجع الي الدعم الحكومي لاسعار القمح مما جعل الانتاج المحلي يزيد4 مرات الي7 ملايين طن في ظرف30 سنة وانه يغطي حاليا60% من الاستهلاك المحلي مع ملاحظة ان المصريين أعلي شعوب العالم استهلاكا للقمح. 2 يقول التقرير أيضا انه بسبب هذه الجهود والتطور الحادث في مستوي المعيشة فقد أصبح75% علي الاقل من سكان مصر يقيمون في مدن, ويبين انهم قد أصبحوا أكثر تعليما, وأكثر تمدنا, وزادت درجة تعرضهم للعالم الخارجي ودرايتهم به سواء من خلال السفر, او الفضائيات, ولاننا لم نعد نجد مواطنا مصريا في الوقت الحالي يولد ويعيش ويموت ولم يبرح قريته التي ولد فيها أو بالكثير البندر الذي تتبعه قريته, بسبب ذلك, أصبح هذا المواطن أكثر تعبيرا عن كل ما يثير غضبه أو استياءه فلم يعد يقول عندما يري خطأ أو ظلما يتعرض له ياظالم لك يوم أو منك لله. أو إصبر علي جار السوء, فاما ان يرحل او تصيبه مصيبة, لا.. لقد أصبح يبادر الي الاحتجاج ويسعي الي تصويب المظالم التي يواجهها في حياته اليومية بيديه وبالذات فيما يتعلق بتعامله مع الشرطة ومع البيروقراطية المترهلة في جهاز الدولة يذكر التقرير ان هذه الخصائص والسمات الاجتماعية والثقافية جديدة. ولذلك أصبحت المظاهرات والوقفات الاجتماعية أمورا عادية من سمات الحياة اليومية في مصر هذه الايام صحيح انها لم تكن متخيلة أبدا قبل سنوات قليلة ولكن هذا هو الواقع الحي الآن. 3 عندما يناقش التقرير الوضع السياسي في مصر, يقول ان النظام الحزبي في مصر نظام الحزب الواحد لان كل الأحزاب الأخري القائمة( أكثر من20) ليس امامها اي فرصة لان تتولي السلطة وهو يكشف عن ان السلطة والنفوذ والثروة يتحكم فيها تقريبا اغني مليون مواطن.. وهم يشغلون حاليا أهم المواقع القيادية في المجتمع بكل مؤسساته وهيئا ته وليس من مصلحتهم احداث اي تغيير في الوضع القائم. وهنا يتعرض التقرير لظاهرة كبر حجم جهاز الامن حاليا وأنه لايقل عن ثلاثة ملايين شخص ويبقي انه لم يذكر عن الاوضاع السياسية والدستورية في البلاد أكثرمما يقال في الصحافة المستقلة والحزبية أو في الفضائيات الخاصة وبرامج ال توك شو. وفي الختام نحن بإزاء تقرير فيه الكثيرمن الانصاف للجهود التي بذلت طوال السنوات الماضية لتحسين مستوي المعيشة وهو أكثر اقناعا من اي شيء عداه لانه صادر عن جهة عالمية محترمة ومحايدة ولها رصيد ضخم من الرصانة والتدقيق في معلوماتها. الأسباب الحقيقية لأزمة الكهرباء يجب ألا تمر مشكلة الانقطاع المفاجئ للتيار الكهربائي عن محافظات جنوب الصعيد نتيجة عطل في محطة نجع حمادي دون تحقيق علني محايد يكشف عن الأسباب الحقيقية وراء تكرار تلك المشكلة في نفس الوقت من كل عام, بنفس السيناريو, ويوضح حقيقة ما يثار عن وجود عيوب فنية في تلك المحطة التي لم تفتتح إلا منذ عامين فقط. ففي مثل هذا الشهر من العام الماضي, انقطع التيار الكهربائي عن محافظات جنوب الصعيد, وأثارت وسائل الإعلام عدة تساؤلات حول محطة كهرباء نجح حمادي التي تم افتتاحها في أوائل عام2008, ونقلت وسائل الإعلام وقتها عن مصادر بالمحطة وجود مشكلة فنية تؤدي إلي توقف نظام تبريد وحدات التوليد بصفة مستمرة, لعدم مطابقة نظام التوليد بالمحطة للمواصفات. وكشفت المصادر عن استمرار أعطال نظام التبريد, نتيجة لعيب فني متعلق بتصميم نظام تبريد وحدات توليد الكهرباء لتعتمد علي مياه الآبار الارتوازية, بدلا من مياه النيل التي تطل عليها المحطة مباشرة, وهو ما تسبب في تآكل مواسير التبريد بسبب ملوحة مياه الآبار الارتوازية الشديدة, ويؤدي ذلك إلي سخونة الوحدات, ومن ثم توقفها عن العمل باستمرار, وأشارت المصادر إلي أن المسئولية تقع علي لجنة هيئة تنفيذ مشروعات المحطات المائية التي تسلمت نظام تبريد المحطة بهذه المشكلة الفنية الخطيرة. وكان من المفترض أن تحقق وزارة الكهرباء في هذه المعلومات وتضع حلا سريعا لهذه المشكلة يمنع عدم تكرار انقطاع التيار, لكن الوزارة فضلت تعليق أسباب انقطاع التيار علي شماعة زيادة الأحمال, رغم أن زيادة استهلاك الكهرباء في مثل هذا الوقت من كل عام هي أمر بدهي معروف مسبقا, وكان يجب التحسب له بكل الوسائل الفنية المتاحة. لكن تكرار المشكلة وفي نفس المحطة يؤكد أن هناك خللا بتلك المحطة لا يتعلق بزيادة الأحمال, وأن الأمر بحاجة إلي تحقيق عاجل ومساءلة تكشف المسئولين عن استمرار هذا الخلل, وكيف تم تسلم المحطة وتشغيلها وبها عيوب فنية. إن التيار الكهربائي لم يعد ترفا وإنما ضرورة قصوي في البيت والمصنع والمستشفي وكل مكان, ولابد من التعامل مع أزمة الكهرباء في جنوب الصعيد بشفافية تامة, وأن تبحث الأجهزة الرقابية هذا الأمر من جميع جوانبه, لتكشف حقيقة ما حدث, وتضمن اتخاذ الإجرءات الكفيلة بعدم تكرار المشكلة. المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن