من آن لآخر يطل علينا مصطلح »البديل» الذي تطلقه الخطط الصهيونية، فمرة »الوطن البديل» للفلسطينيين في سيناء، ومرة أخري »القدس البديلة» كعاصمة للدولة الفلسطينية المزمعة في إطار حل الدولتين. ومنذ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل تداعت التحليلات الإسرائيلية حول ما ينطوي عليه هذا الاعتراف الأمريكي من التزامات سياسية يتعين علي الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني الاتفاق عليها. علي رأس تلك الالتزامات مسألة تقسيم القدس لتصبح عاصمتين لدولتين ولشعبين. في ظل قبول إسرائيلي ظاهري بحل الدولتين تتراوح مسألة وضع القدس ما بين سعي دؤوب لتحقيق القدس الموحدة عاصمة أبدية للدولة الصهيونية، وبين قبول علي مضض وتحت ضغط دولي بتقسيم المدينة إلي قسمين: »غربي» عاصمة لإسرائيل وشرقي فيما يسميه الفلسطينيون والعرب ب »القدس». في إسرائيل ظهرت أصوات تفسر إعلان ترامب بأنه تمهيد لتقسيم المدينة لا سيما انه لم يشر إلي حدود تلك العاصمة ونشرت صحيفة هاآرتس في افتتاحيتها ان الاعتراف الأمريكي بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها ليسا هما المشكلة في حد ذاتها. فحل الدولتين مرتبط بتقسيم القدس بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتحويلها من مدينة مقسمة فعلياً إلي مدينة مقسمة بصورة رسمية؛ القدسالغربية عاصمة اسرائيل وشرق القدس كعاصمة الدولة الفلسطينية. وحين يحدث ذلك فلن تكون الولاياتالمتحدة وحدها هي المستعدة للاعتراف بهاتين العاصمتين وإنما دول العالم كله. الوزير الإسرائيلي زئيف إلكين مسؤول ملف القدس بالحكومة الإسرائيلية قال ان صيغة اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل تعني انفتاحا وقبولا لفكرة سيطرة الفلسطينيين علي جزء منها، وقال الوزير ان واشنطن لا تستبعد في الوضع النهائي تحديد حدود السيادة الإسرائيلية بالقدس وهو الوضع الذي سيتعين علي الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني الاتفاق عليه. بل انه ألمح ان حدود القدس سوف تتحدد نتيجة للمفاوضات التي تنطوي علي احتمال تقسيمها. في المقابل ظهر آڤي جباي رئيس حزب العمل معقبا علي قرار ترمب في إحدي الفضائيات الإسرائيلية بأن الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل اهم كثيرا من اي اتفاق سلام! وانه موضوع غير قابل للنقاش. بالتزامن مع هذا الجدل تطايرت أنباء نشرتها صحيفة معاريڤ الإسرائيلية في الأسبوع الماضي نقلاً عن نيويورك تايمز الأمريكية ان ابو مازن تلقي اقتراحاً أمريكيا عن طريق دولة عربية بأن يكون مقر القدس عاصمة الدولة الفلسطينية في منطقة »ابو ديس»! هكذا تتناثر في الهواء بالونات الاختبار واقتراحات البدائل، لتصبح أبو ديس هي »البديل الچيو-سياسي» للقدس الشرقية التي يفكر فيها الفلسطينيون كعاصمة لهم. وبينما نفت واشنطن والدولة العربية تقرير الصحيفة الأمريكية واعتبره المتحدث باسم البيت الأبيض مجرد تكهنات، جاء التقرير الأمريكي نقلا عن مصادر فلسطينية وعربية واوروپية استمعت من ابي مازن لملخص العرض الأمريكي الذي بلغه. »أبو ديس» اسم ليس جديداً علي مسامع العالم فقد تردد من قبل في وثيقة تفاهمات بيلين- ابو مازن التي أعدت في اكتوبر 1995 حول تسوية شاملة ودائمة مستقبلية بين رابين رئيس الوزراء وعرفات. وكان ابومازن وقتها نائبا لعرفات. التفاهمات بنيت علي أساس قرارات الأممالمتحدة 242 و338 من خلال تبادل الأراضي، بحيث تقوم الدولة الفلسطينية وفقا لخطوط 67 علي 90% من اراضي الضفة الغربية وال 10% الباقية المأهولة بالمستوطنات تنقل للسيادة الإسرائيلية مقابل مناطق شمال النقب تنضم للدولة الفلسطينية. بالنسبة للقدس أقرت التفاهمات بأن تبقي موحدة علي ان يتم رفع العلم الفلسطيني علي المسجد الأقصي بينما تطلق تسمية »القدس» التي ستصبح عاصمة الدولة الفلسطينية علي »أبو ديس» الواقعة علي أطراف القدس وتخلو بالطبع من المناطق المقدسة كالمسجد الأقصي ومسجد قبة الصخرة. من حسن الحظ ان تلك التفاهمات لم توقع إذ اغتيل اسحق رابين ولم تخرج بعدها إلي حيز التنفيذ. فكرة »أبو ديس» بديلا عن »القدس» اقتراح إسرائيلي تم الإعداد له علي الأرض قبل أن يظهر في تفاهمات بيلين ابو مازن. فقد أنشأت اسرائيل حاجزا يقسم الضفة الغربية ويضم جزءا من القدس إلي الأراضي التي احتلتها وأقامت عليها مستوطنة معالي أدوميم. في الجزء الخاص ببلدة أبوديس يقترب الجدار الإسرائيلي جدا من شرقي القدس ويبعد عن المسجد الأقصي بحوالي 2 كيلومتر فقط بينما يعيش علي جانبي الجدار عائلات فلسطينية. ومنذ توقيع اتفاق اوسلو 1995 اصبحت ابو ديس جزءا من المنطقة (ب) الخاضعة للإدارة المدنية للسلطة الفلسطينية لكنها واقعة تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية. فيها تقع معظم مكاتب السلطة الفلسطينية المسئولة عن شئون القدس. وفي عام 2000 بدأ تشييد مبني البرلمان الفلسطيني (المجلس التشريعي) لكن المشروع لم يتم حتي الآن واقترحت اسرائيل تهيئة الموقع كبديل للقدس الشرقية التي يطالب بها الفلسطينيون كعاصمة لدولتهم المقبلة في الوقت الذي يبتعد جدار العزل الذي اقامته في أبو ديس بضعة أمتار عن الموقع. هكذا تبدو محاولات الالتفاف علي واقع قد يفرض نفسه مستقبلا علي اسرائيل بتقسيم القدس. لذا وجب الانتباه.