أحببتها قبل أن أراها من خلال أفلامها وأغانيها، كانت تمثل لي في مرحلة الصبا فتاة أحلامي وفي مرحلة النضج كانت تمثل لي الأخت، وتعمق شعوري نحوها بالوطنيات التي كانت تهز بها الوجدان الوطني، إنها العظيمة شادية التي التقيت بها لأول مرة في صالة مسرح الحرية عندما كان المخرج حسين كمال يجري معها والقديرة سهير البابلي والقدير عبد المنعم مدبولي بروفات مسرحية »ريا وسكينة»، المسرحية الوحيدة التي مثلتها شادية طوال مشوارها الفني الطويل، وقبلت أن تمثلها لإعجابها بالنص الذي كتبه بهجت قمر، وإلحاح من حسين كمال والقدير سمير خفاجي صاحب فرقة الفنانين المتحدين المنتجة للعرض. في هذه الفترة كانت تربطني صداقة وطيدة بالفنان القدير حمدي أحمد الذي دعاني لحضور بروفات المسرحية التي كانت تشكل له قلقا في البداية لأنه لم يكن قد وقف علي خشبة المسرح من قبل في عرض من إنتاج فرقة خاصة، خاصة أنه في هذه الفترة كان نائبا بمجلس الشعب ومعروف عنه معارضته الشديدة للنظام سياسيا، ودخل في خلاف حاد مع الفنان فاروق حسني وزير الثقافة انتهي به إلي الاستقالة من إدارة فرقة المسرح الكوميدي التابع للدولة. في هذه الفترة أيضا ربطتني صداقة قوية بالقدير عبد المنعم مدبولي الذي كان له فضل تقديمي للقديرة شادية التي كنت أنتهز الدردشة معها في فترات الاستراحة، إنسانة متواضعة جدا، وديعة، الابتسامة لا تفارق وجهها، ضحكاتها عالية، تتحول لكتلة من النشاط والحيوية عندما تصعد لخشبة المسرح، مطيعة جدا لكل توجيهات المخرج حسين كمال، لم أشعر أن لديها إحساسا بالرهبة من المسرح الذي له ناسه وله محترفوه، خاصة أنها تقف أمام ثلاثة من غيلان المسرح هم سهير البابلي ومدبولي وحمدي أحمد، كان في داخلها ثقة كبيرة لأنها »شادية» وفقط، النجمة التي لها جماهيرية كبيرة، مع أنها صارحتني أثناء الدردشة أن المسرح له رهبة كبيرة عندما كانت تعتليه كمغنية في الحفلات أو كممثلة ترمقها عيون المشاهدين وجها لوجه، بعكس التعامل مع الكاميرا في السينما. حققت المسرحية نجاحا جماهيريا غير مسبوق، الحجز كان لمدة عشرة أيام مقدما، كان لسهير البابلي جمهورها، ولمدبولي جمهوره، ولحمدي أحمد جمهور من المثقفين والمسيسين، لكن ما شهد به هؤلاء النجوم أن أغلب الجمهور إنما جاء ليشاهد شادية وجها لوجه علي المسرح، ومع ليالي العرض استطاعت شادية مجاراة نجمي الكوميديا سهير البابلي ومدبولي في ابتكار »الإفيهات» التي تضحك الجمهور، وقد توقعت حدوث صدام ما بين نجوم العرض وحمدي أحمد وصدق ما توقعته، فالفنان حمدي أحمد الذي أدار فرقة المسرح الكوميدي التابعة للدولة يعي تماما كوميديا الموقف، لكنه ضد الخروج عن النص وضد الارتجال المفاجئ الذي يربك الفنان، ولهذا بدأ الصدام بين حمدي ومدبولي – رحمهما الله – مبكرا بشأن هذا الأمر، وأحس بقية نجوم العرض أن حمدي أحمد يري في نفسه أنه الأهم من الجميع وأنه النائب الذي لابد ان يحافظ علي صورته أمام الجمهور، ووصل الصدام لذروته عندما قال له مدبولي أمام الجمهور »انت بتضحك علي إيه يا طويل يا أهبل»! كانت القديرة شادية تنأي بنفسها عن أي صدام محتمل، لكن الصدام وقع في الكويت عندما تم عرض المسرحية التي كان زمنها يتجاوز 4 ساعات بالإضافة لثلث ساعة في تحية الجمهور، وقال لي حمدي أحمد إنه اتفق مع أبطال العرض علي أنه سيدخل لتحية الجمهور مع الأدوار الثانوية علي ان يدخل بعده شادية ومدبولي وسهير البابلي معا اختصارا لزمن التحية، لكنه فوجئ أنهم أخلوا بالاتفاق وتنافسوا مع بعضهم البعض في نيل أكبر وقت من التصفيق وعندما دخل مدبولي لإحضار شادية تأخرا في الظهور فقال بصوت سمعته شادية »يلا يا جماعة» فوجدها تقول : »مين اللي قال ياللا.. أنا محدش يقولي ياللا» فاعتذر لها، فردت عليه »أيوه كده»، فانفعل غاضبا »إنتي بتقولي ايه إذا كنتي انت شادية فأنا حمدي أحمد» وانتهي الحوار باشتباك لفظي، جعل شادية تصر علي الانسحاب من العرض »ويا أنا يا هو في المسرحية»، تم استبدال حمدي بحسين الشربيني لكنه انسحب من العرض بعد فترة وجاء أحمد بدير لينال فرصة عمره في شخصية الشاويش عبد العال. شادية كانت عظيمة في تجربتها المسرحية الأولي والأخيرة مثلما كانت عظيمة بكل فنها وحضورها الطاغي.