في نهاية الاجابة علي سؤال الرابع نقول ان السنهوري كان يؤمن بضرورة اجبار الاخر المختلف معه ايديولوجيا وسياسيا تحت رهبة سيف مبدأ الاجماع الإسلامي المصنوع تاريخيا، فنحن نعلم انه ليس هناك اتفاق جامع مانع بين فقهاء اصول الدين بشأن تعريف مبدأ الاجماع الاسلامي ، وان مايقول به السنهوري باعتباره "اجماع " هو في الحقيقة تصوره الايديولوجي المستمد من افكاره "الوطنية الاسلامية " كما سادت في الربع الاول من القرن العشرين بمصر والعالم الاسلامي. فضلا عن أن السنهوري اعتمادا علي عدم ايمانه بمنطق العقد الاجتماعي وعلي الاساس الليبرالي في التفكير والسلوك انتهي بفهمه لوظيفة الحكومة المدنية علي انها القائمة بغرض اشباع الشعور العام والشعبي المستمد من التعاطف الاسلامي الي جانب الحفاظ علي الملكية الفردية. بعبارة اخري، مهد السنهوري الارض فكريا ومن ناحية السياسات العامة وخاصة اثناء تقلده وزارة المعارف ضمن وزارة النقراشي مرتين للانقلاب الاسلامي الشامل للعقول والسلوك من خلال تصوره عن مبدأ الاجماع الاسلامي . ونلاحظ ذلك علي سبيل المثال في المذكرة القانونية التي قدمها الي محكمة النقض في 1942 والتي تناولت ضرورة خضوع وصية غير المسلم للشريعة الاسلامية. لذلك ليس غريبا ان نري الحزب السعدي للنقراشي كان لا يضم فقط السنهوري بنوازعه الاسلامية القومية ، ولكن ايضا سيد قطب الذي التحق بالحزب السعدي في فترة النقراشي قبل استقراره في الاخوان رسميا مع بداية الخمسينيات من القرن العشرين. الان ننتقل الي السؤال الخامس والاخير المتمثل في كيف تصور السنهوري تطور المستقبل وعمل علي تحقيقه؟ للاجابة علي ذلك نلاحظ التالي: اولا، وضعت سكرتارية البعثة الدولية للعلوم التاريخية ومقرها باريس ملخصا، والذي صدر في 1937 قام بكتابته ميشيل لهربينتر قائم علي استحداث علاقة مفهومية قوامها وجوهرها تحديث وترفيع مفهوم فردريك الثاني القائل بان الامبراطور خادم لشعبه ليتجسد في مفهوم عصري هو الاستبداد المدني المستنير ، ثانيا، يقول محمد فريد وجدي الملهم الثقافي والروحي الكبير للسنهوري في كتابه "الاسلام دين عامر خالد" والمنشور في 1932 : " الناس من الناحية العقلية ينقسمون الي ثلاثة اقسام: علماء منتهون واوساط متعلمون وعامة مقلدون. ... وكل طبقة من هذه الطبقات الثلاث تتطلب من الدين ما يناسبها من الغذاء الروحي، وما يكفي الطبقة الدنيا لا يكفي ما فوقها وما يقنع هذه لا يقنع الطبقة العليا من المنتهين. ولا مناص لنا ونحن نبحث في الدين العام الخالد ان نلم بكل ما تطلبه الطبقات الثلاث...". هذا هو الاساس الحقيقي الثقافي المحلي للتفكير المدني القائم علي الاستبداد، من حيث تقسم الناس الي طبقات عقلية في الاساس ومن حيث فهم ما هو مدني باعتباره شعبويا ينصرف الي انزال الناس منازل لا تتغير الا قليلا و كل منزلة تعبر عن احتياج اجتماعي ونفسي مختلف غير متصل بالاحتياجين الآخرين . بعبارة اخري، ان ما يبدأ مدنيا يتحول وينتهي شعبويا وسلطويا واستبداديا، ثالثا، يشكل محمد فريد وجدي ونفسية السنهوري حتي اوصلته معرفيا الي مشارف مشاعر ومفاهيم سلفية اخوانية ، يقول وجدي : " الإسلام أحوج إلي الجماعة من الجماعة إلي الإسلام ... فوجه كلّ همته لبناء المجتمع الإسلامي بحيث لا يعتريه الانحلال أجيالا متعاقبة حتّي يتم ما ندب إليه من إذاعة كلمة الله الفاصلة للعالم كافة فجاء من أقواله صلي الله عليه وآله في المواخاة بين آحاد المسلمين وفي وجوب تضامنهم وتضافرهم حتّي يصبحوا كرجل واحد تحركه إرادة قوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكي عضو منه تداعي سائر الجسد بالحمي والسهر) و(من لم يهتم للمسلمين فليس منهم)، ويستمر التحليل في المقال القادم بحيث ننهي الجزء الاول من معضلة التعريف عند السنهوري.