أنا ابن هذه الدنيا التي خلقها الله، ولم أغمض عنها عيني لأني أدركت عظمة هذا العمل الفني الإلهي.. فإذا اختارني لآخرته فسأكون جديرا بهذه الآخرة.. بعدما دخلت تجربة الدنيا.. ويا لها من تجربة. أحب أن يقرأ الجميع كتابا ألفته.. فما بالك بهذا الكتاب الضخم الفخم الذي ألفه الله وسماه الدنيا.. هل يسر الله ألا يقرأه أحد بحجة أنه ناسك أو زاهد أو راهب.. إن من يظنون ذلك يعانون أمية في الإيمان. التجارب علمتني أن المرض مثل العمر سر غامض.. وقد عرفت أناسا كانوا يأكلون بنهم ولم يمرضوا.. وأناسا كانوا يأكلون بحذر وظلوا طوال حياتهم مرضي.. وأنا لا أخشي الموت فقد واجهت ما هو أصعب منه.. الحياة نفسها. تمهلي أيتها الأيام.. لا تدفعيني في طريقك بهذه السرعة المجنونة.. إنني لا أجري.. ولا أمشي.. ولكني أحفر بخطواتي القبر الذي يضمني. قلبي لا يطيق أن يتسكع في ضلوعه بلا عمل.. ولذلك فهو حريص علي ألا يعتزل الحب.. حتي لا يتعرض للبطالة.. دائما في مشاعري همس جديد لذيذ.. غامض.. أحاول أن أتبينه فتحجبه عني ثرثرة التجارب وفضول الذكريات. أحيانا تنتابني حيرة لا أستطيع معها أن أحزن أو أفرح.. لأن الأيام التي تنقضي من عمري تزيد من سني.. وتجربتي.. وثقافتي وانفعالي بالجمال.. فكيف أحزن علي النقص ولا أفرح بالزيادة.. إنني دائما زائد وناقص. الناس جميعا يتمنون أن تطول أعمارهم.. هذه هي القاعدة.. وقد يشذ عنها بعض المفكرين والفلاسفة وهواة الانتحار.. ولست والحمد لله واحدا من هؤلاء.. ومع ذلك فإني كثيرا ما أتساءل : هل طول العمر نعمة أم عقوبة ؟ الموت ليس مشكلة.. الحياة هي المشكلة.. ومشكلة كبيرة. لماذا تحاولين أن تدمري يأسي منك.. بعدما تبدد أملي.. إنك لا تريدين لي أن أستريح.. لقد أصبح التنكيل بطمأنينتي هواية تمارسينها بخفة وبراعة. حبيبتي إني أكاد أفني فيك خجلا وحياء كلما تذكرت كلمات الطهر والبراءة والقداسة التي أتعبتها من طوال ما مرت بشفتي ولم تستطع الكلمات ولم تستطع شفتاي أن تجعلها تتجاوز فمي إلي أذنيك.. لقد كنت أطمع أن أكون في مكان الأعزاء من نفسك.. واخجلتاه من هذا الغرور، ولكن يعزيني أنه لم يدم طويلا.. فلقد عرفت في وقت قصير أني لن أكون في هذا المكان.. لا لأنه لا يوجد في قلبك.. بل لأن قلبك ليس له وجود ! كامل الشناوي الجمهورية - 1956