ألمانيا تواجه موجة حارة خلال الأيام المقبلة    مصرع عامل وإصابة 17 آخرين في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بأسوان    دنيا سمير غانم تكشف سبب ترددها في تقديم فوازير رمضان    لهذا السبب.. نجوى كرم تتصدر تريند "جوجل"    الصحة تنظم زيارة لوفد منظمة الحكماء الأممية لتفقد الخدمات المقدمة لمرضى فلسطين بمستشفى العريش العام    درة تنعى الصحفي الفلسطيني أنس الشريف: «جرحهم جرح الإنسانية كلها»    تحرك الدفعة ال 13 من شاحنات المساعدات المصرية إلي معبر كرم أبو سالم    رابطة الأندية تعلن عقوبات الجولة الأولى من الدوري اليوم.. ترقب داخل الأهلي والزمالك    «هلاعبك وحقك عليا!».. تعليق ناري من شوبير بشأن رسالة ريبيرو لنجم الأهلي    بعد خروجه من حسابات يانيك فيريرا.. جون إدوارد يتحرك لتسويق نجم الزمالك (تفاصيل)    رابط نتيجة المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025 عبر موقع التنسيق الإلكتروني    أسعار الذهب اليوم في السعوديه وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الثلاثاء 12 أغسطس 2025    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري بعد الارتفاع العالمي.. قائمة ب10 بنوك    أسعار الفراخ اليوم الثلاثاء 12-8-2025 بعد الانخفاض وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    محذرا من النصب والاحتيال.. أمن السواحل في طبرق الليبية يوجه بيانا لأهالي المصريين المفقودين    رئيس إسكان النواب: مستأجر الإيجار القديم مُلزم بدفع 250 جنيها بدءا من سبتمبر بقوة القانون    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على حي تل الهوا بمدينة غزة    ترامب يمدد الهدنة التجارية مع الصين لمدة 90 يوما    "كلمته".. إعلامي يكشف حقيقة رحيل الشناوي إلى بيراميدز    مبلغ ضخم، كم سيدفع الهلال السعودي لمهاجمه ميتروفيتش لفسخ عقده؟    من هو الفرنسي كيليان كارسنتي صفقة المصري الجديدة؟ (فيديو صور)    الخارجية الروسية: نأمل في أن يساعد لقاء بوتين مع ترامب في تطبيع العلاقات    غارات واسعة النطاق في القطاع.. والأهداف الخفية بشأن خطة احتلال غزة (فيديو)    بطل بدرجة مهندس، من هو هيثم سمير بطل السباقات الدولي ضحية نجل خفير أرضه؟ (صور)    مصرع شخص تحت عجلات القطار في أسوان    لتنشيط الاستثمار، انطلاق المهرجان الصيفي الأول لجمصة 2025 (فيديو وصور)    نتيجة تنسيق المرحلة الثانية أدبي.. الموقع الرسمي بعد الاعتماد    نائبة وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق مبادرة "أمل جديد" للتمكين الاقتصادي    4 أبراج «في الحب زي المغناطيس».. يجذبون المعجبين بسهولة وأحلامهم تتحول لواقع    من شرفة بالدقي إلى الزواج بعد 30 عاما.. محمد سعيد محفوظ: لأول مرة أجد نفسي بطلا في قصة عاطفية    24 صورة لنجوم الفن بالعرض الخاص ل"درويش" على السجادة الحمراء    بالصور.. أحدث جلسة تصوير ل آمال ماهر في الساحل الشمالي    مواقيت الصلاة في أسوان اليوم الثلاثاء 12أغسطس 2025    اليوم، إعلان النتيجة الرسمية لانتخابات مجلس الشيوخ والجدول الزمني لجولة الإعادة    تحارب الألم والتيبس.. مشروبات صيفية مفيدة لمرضى التهاب المفاصل    فاركو: ياسين مرعي سيصنع تاريخا مع الأهلي    حزب شعب مصر: توجيهات الرئيس بدعم الكوادر الشبابية الإعلامية يؤكد حرصه على مستقبل الإعلام    قرار هام بشأن البلوجر لوشا لنشره محتوى منافي للآداب    التحفظ على أموال وممتلكات البلوجر محمد عبدالعاطي    خلاف جيرة يتحول إلى مأساة.. شاب ينهي حياة آخر طعنًا بكفر شكر    CNN: واشنطن تزداد عزلة بين حلفائها مع اقتراب أستراليا من الاعتراف بدولة فلسطين    موعد مباراة سيراميكا كيلوباترا وزد بالدوري والقنوات الناقلة    وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية يعقد اجتماعاً موسعاً لمتابعة الأداء وتحسين الخدمات الصحية    "بلومبرغ": البيت الأبيض يدرس 3 مرشحين رئيسيين لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي    د. آلاء برانية تكتب: الوعى الزائف.. مخاطر الشائعات على الثقة بين الدولة والمجتمع المصري    19 عامًا على رحيل أحمد مستجير «أبوالهندسة الوراثية»    استغلي موسمه.. طريقة تصنيع عصير عنب طبيعي منعش وصحي في دقائق    «مشروب المقاهي الأكثر طلبًا».. حضري «الزبادي خلاط» في المنزل وتمتعي بمذاق منعش    أحاديث السياسة على ألسنة العامة    إطلاق منظومة التقاضى عن بعد فى القضايا الجنائية بمحكمة شرق الإسكندرية.. اليوم    كيفية شراء سيارة ملاكي من مزاد علني يوم 14 أغسطس    أخبار 24 ساعة.. 271 ألفا و980 طالبا تقدموا برغباتهم على موقع التنسيق الإلكترونى    أنا مريضة ينفع آخد فلوس من وراء أهلي؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    هل يشعر الموتى بالأحياء؟.. أمين الفتوى يجيب    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ مساء غد    محافظ الأقصر يبحث مع وفد الصحة رفع كفاءة الوحدات الصحية واستكمال المشروعات الطبية بالمحافظة    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة : صاحبة القصر . . . . .
نشر في شموس يوم 17 - 09 - 2013


لعنة . . . . . . الحب الضائع ! ! ج4 ( بقلم : )
مات ساكن القصر. . وجلست صاحبة القصر فى غرفتها وحيدة ، أغلقت عليها باب الغرفة ، وإرتمت على سريرها تبكى وتنوح ، وتردد فى أعماقها وتقول : كيف وصل بى الحال إلى هذه القسوة ؟ ماذا جرى لى ولقلبى ؟ إننى لم أكن يوماً قاسية ؟ هل حقاً – كما يقولون – أنا التى قتلته ؟ هل أنا التى قتلت ساكن القصر الذى أحبنى ؟ وتمنى القرب منى ، ودخل قلبى ، وسكن فى قصرى ، ونام على فُرشى ، ومَرح فى بستانى ، وعشقته ورودى وأزهارى . . وما هذا المشهد الجنائزى المهيب الذى رأيته ؟ ماذا فعل ساكن القصر لكل هؤلاء كى يحبوه هكذا فى ثلاثين يوماً فقط ؟ وأنا التى معهم منذ سنين . . ناحت الطيور على رحيله ، وحزنت الورود والزهور والفروع والأغصان لأجله ، وأبرَق الرعد مهابة لموته ، وأمطرت السماء فى غير موعدها حزناً عليه ، تألمت الدنيا كلها لرحيله . . هل كان طيب القلب عاشقاً للحياة إلى هذا الحد ؟ إنه كان يحبنى ، ورغم ذلك قسوت عليه وما رحمته ! ! وأخذت تردد : إننى ملعونة . . إننى ملعونة . . لن يسامحنى الرب أبداً .
ونهضت من فورها . . وإتجهت إلى حيث أوراقها وقلمها ، إنها تريد أن تكتب إليه كلمات رثاء ، وأن ترسل إليه رسالة غفران ، لعل روحه تسامحها ، ويغفر لها الرحمن . . تريد أن تنعيه لكل البشر ، وتخبرهم كيف أنها كانت تحبه ، وكيف أنها ما كانت تكره قربه ، وكيف أنها ما رفضت حبه ، وكيف أنها ما قتلته وأضاعت حياته وعمره ، تريد أن تخبرهم بكل ذلك .
إمتدت يدها لتمسك بالقلم كى تكتب كل هذا ، إهتز القلم فى يدها بشدة وإرتعشت يداها ، أحكمت عليه قبضتها فإزداد إهتزازاً . . أرادت أن تكتب كلمات فما إستطاعت ، ما عاد القلم يطاوعها ، وما عاد يريد أن يخط لها كلمات أخرى . . كلما حاولت أن تكتب إهتز القلم فى يدها ، أدركت عندئذ أن القلم ما عاد قلمها ، وأنه ما عاد يكتب لها . . تركته من يدها ، ونظرت إليه . . . .
وقالت له : ما بك يا قلمى ؟ ألا تريد أن تطاوعنى ؟
قال القلم ( وهو حزين ) : أطاوعكِ فى ماذا ؟ لقد راح الذى طاوعتكِ من أجله ، عشتُ سنين وسنين وأنا أنتظره . . هرمتُ ونال الشيب منى وأنا أتمنى مجيئه ، ولما جاء فرحتُ لأجلكِ ، وفرحتُ به ، ولكنكِ أضعتِ فرحتى وقتلته . . ما عادت كتابتكِ فى شئ تهمنى ، قلتُ لكِ إبحثى عن غيرى ، هل ما زالت عندكِ كلمات خداع ؟ هل أعجبكِ القتل ؟ هل إستمرأتِ الضياع ؟
قالت : لا . . لن أكتب كلمات خداع ، دعنى أكتب فيه رثاء ، دعنى أطلب منه الغفران ، ساعدنى أن أرتاح ، دعنى أنعيه لكل بقاع الأرض ، دعنى أخبرهم أنى عشقته وأنى أضعته ، ولكنى أبداً لم أقتله ، لم أقتله . .
قال القلم ( مستنكراً ) : كلمات رثاء ، وهل بعد الموت كلام ؟ وأى كلام يرجوه الأموات ؟
قالت : ما بالك لا ترحمنى ؟ ما بالك تقسو علىّ وأنت تدرى حقيقة أمرى ؟ أتذكر . . ؟ منذ سنين طوال كتبت بك حروف وكلمات لشخص ما زلت أذكره ، هل تذكره ؟ هل تذكر كلماتى إليه ؟ هل تذكر كم أحببته ؟ أتذكر كم هامت عليه ظلال قلبى ، وفى عينيه كم سبحت شراعى ؟ أراك نسيته ؟
قال القلم ( مستغرباً ) : يالكِ من عجيبة ! ! ألا تزلتِ تذكرينه ؟ ، لقد مرت عليه سنون طوال ! !
قالت : ما نسيته قط ، وما غفلت عيناى عن صورته قط ، صورته معى منذ سنين ،أطالعها صباح مساء ، أحدثها وتحدثنى وأبادلها النظرات ، صحيح هى ورقة وجماد ، ولكنها عندى عمر وحياة.
قال القلم : ولكن هذا الوهم ، مضت عليه سنين . . ما عاد الزمن كما كان ، وما عادت الأيام كتلك الأيام ، والعمر يمر وأنتِ بدون حياة . قلبكِ خاوى وعقلك حيران ، وسماء حياتك سحب وضباب ، وأنا ما عدت مثل زمان . . إنى أفرح كلما إقترب منكِ إنسان ، ولكنكِ توصدين كل الأبواب ! !
قالت ( وهى تتأوه ) : آه . . آه . . جرحى مازال ينزف ! ألمى ما زال يصاحبنى ! أنا لم أنسه قط ولم تغفل عن صورته عيناى . . إن صورته ترافقنى ليل نهار ، وصباح مساء . .
قال القلم : إنكِ واهمة . . إنه لم يكن يحبك ، ولم يكن حتى يدرك أنكِ تحبينه ! عن أى حب تتكلمين ؟ أنتِ التى أحببته وحدكِ ! حبكِ له من طرف واحد . . أذكر أنى حذرتك من وهمك ، وعارضتُ حبكِ له ، وإستكثرتُ عليه كلماتك . . أنتِ حلمتِ بقربه ؟ نعم . . أملتى أن تشاركيه حياته ؟ نعم . . ولكنه ما أحبكِ قط ، وما حلم بقربكِ قط ، وما شعر بحبكِ قط . . ولكن تركك ورحل وتزوج غيرك ، وعاش مع أخرى وأحبها ، وأنجب منها بنين وبنات . . لقد مضى عنكِ وإنصرف ، لم يأبه لمشاعرك ، ولم يهتم لأمركِ ، كان حبكما من طرف واحد هو أنتِ . . يقيناً أنتِ مريضة بالحب المَرضى ، وما تفعلينه إنتحار عبثى ، لا طائل من ورائه سوى الموت والفناء . . أنتِ تعيشين نصف حياة ، بل ربع حياة ، لا .. لا .. أنتِ تعيشين مثل الأموات . .
قالت ( وهى ترجوه ) : أرجوك . . أسكت . . كلامك يؤلمنى ، يحزننى ، ينكأ كل جراحى ، ما عاد لدىّ دم أنزفه ، جراحى ما زالت حية ، عباراتك جارحة ، وكلماتك لا ترحمنى ، كلمات قاسية .
قال القلم : لا . . لن أسكت هذه المرة ، إنكِ تنتحرين ، إنكِ تقتلين نفسكِ ، قتلكِ نفسكِ حرام حرام ، ألا يُحاسبكم الرب على قتل النفس ؟
قالت : بلى . . يحاسبنا الرب ، ولكنى لا أملك شيئاً من الأمر . . لم أنساه ولم أسلاه !
قال القلم : وقلبكِ . . ماذا عنه ؟
قالت : قلبى ؟ . . أين قلبى ؟ إنه لم يعد قلباً ، إنه صار حُطاماً ، صار قبراً فيه وحشة ، لا يصلح لأى شئ . . لا للسُكنى ، ولا للحب ! !
قال القلم : ومن يا عزيزتى يترك القصور ليسكن القبور ؟ لا يسكن القبور إلا الأموات .
قالت : أعرف . . أن لا أحد يسكن قلبى ، ولكن : ألم يدخله ساكن القصر ؟
قال القلم : بلى دخله . . ولكنه خرج منه محمولاً على الأعناق . . لقد رحل ومضى ، رحل إلى غير رجعة . . حبه لكِ أعمى عينيه عن مشهد قبركِ ، أحاله فى ناظريه قصراً ، وأصم أذنيه عن صرخة العصفور فى وجهه : " أترك هذا القصر وإرحل فوراً ، القصر قصرها ، ولن تدعك تسكن فيه ، إنها تريده خَرِباُ ، دعها تهدمه فوق رأسها " . . ولو أنى مكانه ، ما إقتربت منكِ أبداً ، ولكنه لم يكن يدرى ، أن قلبكِ ما عاد قلباً ، وأن قصركِ ما عاد إلا قبراً . . ما عاد إلا قبراً ! !
قالت ( وهى تتحسر ) : هل عرفت الآن لماذا أقسمت ألا أدعه يسكن قلبى ؟
قال القلم : نعم عرفت . . ولكن ، أتذكرين ساعة أن كتبتِ له الرسالة ؟ أتذكرين ما قلته لكِ ؟
قالت : نعم أذكر . . قلت لى ألا أخدعه ، وألا أدعه يحبنى ، لأنى لن أقدر أن أكون له ولن أسعده . . . ولكنى كتبت له أنى أحبه ، ورجوته أن يدخل قلبى ويسكنه ، وقد دخل وسكن .
قال القلم : وفى النهاية . . ماذا فعلتِ به ؟ لقد أقسمتِ ألا تدعيه يسكن قلبك ، وتركته يعيش وحيداً فيه حتى مات ، ما ترفقتِ به ، وما حنوتِ عليه ، وما ملتِ إليه كما أراد . . بل عذبته أشد العذاب ، وآلمتِه أشد الألم ، وأحزنته كل الحزن ، وكأنكِ كنتِ تنتقمين منه . وها هو ترك لكِ الدنيا ورحل.
قالت : نعم . . لقد رحل وتركنى ، أنا من قسوت عليه كى يرحل ، لم أكن أدرى ماذا أفعل ، كنت حائرة بينه وبين صورة الذى مضى . . كنت حين أنظر إليها أشعر أنها تتهمنى بالخيانة ، وما رضيت أن أخون ، أنت تعرفنى الوفاء من طبعى والإخلاص من شيمى ، ولا غدر منى ! ! ! ! !
قال القلم : آه . . من تلك الصورة الملعونة ، هاتيها إلىّ كى أمزقها ، لقد رجوتكِ من قبل مراراً أن تمزقيها ، وقلتِ لى أنكِ مزقتها . . إنها صورة باهتة ، مضت عليها سنين ، إنها جماد لا حياة فيها أو معها ، إنها شبح لشخص ذهب وراح ، إنها لعنة ، يجب الخلاص منها كى لا تظل تلاحقكِ .
قالت : دعك عنى . . قلبى يتمزق . . أنت تذبحنى . . أنت تعلم كل نقاط ضعفى . . لقد قسوت علىّ ولم ترحمنى ، رغم أنك تعلم عنى كل شئ ، وهم لا يعلمون عنى أى شئ .
قال القلم : ومن أجل ذلك نصحتكِ ورجوتكِ ألا تفعلى مع ساكن القصر ما فعلته . . كنت أخشى أنكِ ما عدتِ تصلحين للحياة . . لقد كبرتُ أنا وهرمت ، ولا أريد أن ينتهى بى العمر ، وأرحل عنكِ ، وأترككِ هكذا فى الدنيا وحيدة . . إنى عِشتُ معكِ سنين طويلة ، عمرى كله أمضيته معكِ.
قالت : وما العمل أيها القلم العجوز ؟ أخبرنى ماذا أفعل ؟
قال القلم ( ناصحاً ) : أنفضى عنكِ تراب السنين ، مزقى الصورة وأحرقيها ، لا تتركِ نفسكِ لها أسيرة . . إنها كالأغلال حول عنقكِ ، عيشى الحياة ولا تدعيها تمر امام عينيكِ ، حتى ينقضى العمر بأكمله ، إنكِ لن تعيشى الحياة سوى مرة واحدة . . ما فات قد فات ، وما مات قد مات ، والذى يفوت لا يعود ، والذى يموت لا يُبعث من جديد إلا يوم القيامة . . أنتِ تعرفين كل هذا وتكابرين ، إنكِ تدفعين ثمن عنادكِ من أيامكِ وشهوركِ ومن عمرك سنين ، إنكِ تدفعى أغلى الأثمان.
قالت : لقد حاولت من قبل مراراً ، ولكنى عجزت . . أشعر أن شيئاً ما ينقصنى ، لست أدرى ما هو . . أخبرنى أنت عنه ، فأنت تعرف الحياة أكثر منى ، عشت فيها سنين ، وأخبرت الكثير.
قال القلم : إنها إرادة الحياة يا عزيزتى . . ذلك ما ينقصكِ ، لقد خلقكم الرب يا بنى البشر ، كى تنعموا وتسعدوا بأعماركم ، وسخر لكم الدنيا بأسرها ، لتكون طوع بنانكم . . فيكم من أدرك ذلك فعاش وسَعد ، وفيكم من لم يدركه فشقىّ وتعَس ، ومات و هو حى . .هل تريدين الموت وأنتِ حية؟
قالت : لا . . . لا أريد أن أموت وأنا حية ، أريد أن أعيش . . أريد الحياة . .
قال القلم : إذن . . مزقى الصورة . . فكى الأغلال . . حَطمى القيود . . إهدمى الأسوار . . دمرى كل الحصون والقلاع . . أقتلى الَسَجّان . . أخرجى للحياة . . إن الحياة جميلة ، إنها نعمة من الله . . إن ملائكة الرحمن يشتاقون للحياة مثلكم يا بنى البشر ! !
قالت ( متسائلة ) : من أين لك بكل هذه الكلمات أيها الخبير الفيلسوف ؟ كنت أحسبك مجرد قلم ؟
قال القلم : لا . . أنا تعلمت من كثرة ما كتبتم بى ، وأنا مخلوق على الطاعة لكم ، لا أملك أمراً ولا نهياً . . أكتب حين تريدون ، كل ما تريدون ، فخَبرتُ الكثير وعلمتُ الكثير منكم وبكم .
قالت ( وهى تستدرجه ) : وماذا بعد أن أمزق الصورة وأفك الأغلال وأخرج للحياة؟
قال القلم :إنطلقى . . إفتحى أبواب قلبكِ ونوافذه . . دعيه يتنسم الهواء ، ويحيا الحب والغرام .
قالت : أنت تريدنى أحب من جديد ؟ وأعشق من جديد ؟ وأتألم من جديد ؟ وأتعذب من جديد ؟ . . تباً لك أيها القلم العجوزالمَكير ، إنك أحببت ساكن القصر ، وإعتقدت أنى قتلته ، و تنتقم له منى !
وفجأة . . أنهَت الحديث . . وهَبت واقفة . . وهى تقول بصوت عالى وجرئ ، وكأنها تعاند نفسها ، وتتحدى كل العالم : لا . . لن أمزق الصورة ، ولن أفك الأغلال ، ولن أحطم القيود ، ولن أهدم الأسوار ، ولن أدمر الحصون والقلاع ، ولن أفتح باب قلبى ونوافذه . . لقد عشت هكذا سنين ، وسوف أبقى هكذا حتى يجئ الحين ، وأموت ، و سوف أموت ولن يدخل قلبى أحد ، ولن يسكن قصرى أحد . . .
وبينما هى تفتح باب غرفتها لتخرج ، سمعت صوت القلم وهو يقول : رُحماك يا الله . . رُحماك يا الله . . إنها مثل ساكن القصر تماماً بتمام . . إنها تسعى للهلاك . . ولن تدرك نصيحتى إلا بعد فوات الأوان . . ساكن القصر أصابته لعنة قصرها . . أما هى . . فأصابتها لعنة الحب الضائع .
وإلى لقاء مع الجزء الأخيرإن شاء الله .
( هذه القصة حازت على جائزة الإبداع . . فى المسابقة الثقافية . . فى منتدى الأدباء العرب عام 2011م ) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.