حديث العذراء والحب والقلم ! ! جزء1 ذات مساء . . أمسكت بالقلم ، وقررت أن تكتب إليه ، ما عادت تقدر على الصمت ، وما عاد النوم يداعب جفونها الجميلة بالليل . . لقد إقتحم حياتها فجأة وبدون أن تدرى . . فى كل مرة كانت تحكم إغلاق باب قلبها ونوافذه ، ماذا حدث هذه المرة ؟ إنها أول مرة تترك إحدى النوافذ مفتوحة ولم تغلقها ، أكان متربصاً بها فى إنتظار هذه اللحظة ؟ أم أنها الصدفة المحضة ؟ أم أنه القضاء والقدر ؟ أم أنه . . . ؟ أم أنه . . . ؟ أم أنه . . . ؟ تساؤلات كثيرة يطارد بعضها البعض ، لم يعد عقلها قادراً على أن يجيب عليها جميعها ، الحيرة تتملكها كل يوم وليلة ، كيف سمحت بأن يتسرب إلى قلبها وعقلها بهذه السرعة ؟ لقد تغير وتبدل كل شئ فى حياتها ، وهى التى كانت عنيدة وصلبة ومتمردة على كل شئ فى الحياة ! ! هذه المرة ، شخص ما تسلل إلى داخلها ، إخترق صدرها ، ونفذ إلى قلبها ، فوجد قصراً واسعاً فسيحاً لم يسكنه أحد قط . . كل شئ فيه كان معداً له وحده ، حوائطه ، ستائره ، فرشه ، تماثيله وصوره وتحفه ، حتى بستان القصر ، إستقبله بالورود والزهور . . إنه الوافد الجديد للقصر ، لا . . لا . . بل أنه الساكن الوحيد لهذا القصر ، لقد دبت الحياة لأول مرة فى قصر قلبها ، إمتدت يده لتفتح كل النوافذ ، ودخل نسيم الحب إلى كل أرجاء القصر ، تجدد هواءه ، وتطايرت ستائره ، حتى الورود والزهور فى البستان تمايلت وتبخترت ! ! أمسكت بالقلم وكتبت كل هذا . . طاوعها القلم ولم يعاندها ، وكيف له أن يعاندها وهو قلمها الذى يحبها ويفرح من أجلها ؟ ما عاندها قط من قبل ، ولن يعاندها هذه المرة بالذات . . أخيراً كتبت به إلى الحبيب ، بعد أن خط لها طويلاً فى أمور كثيرة لا تخصها وحدها ،أمور يكتب فيها كل الناس لعامة الناس ، أما هذه المرة فقد آن الآوان كى تكتب لخاصة الناس ، إلى الحبيب ، إلى ساكن القصر الوحيد . . . أنهت الرسالة ، وألقت عليها قطرات من عطرها الجميل ، ووضعتها فى مظروف أنيق ، كتبت عليه إسماً / حبيبى الوحيد ، وخطت عليه عنواناً / إلى ساكن القصر . وفجأة . . إنتابها شعور غريب ، إمتدت يدها مرة أخرى إلى قلمها ، وبدأت تناجيه ، ودار بينهما حديث طويل : سألت القلم : ما هذا الذى فعلت أيها القلم ؟ قال القلم : أنا لم أفعل شيئاً . . أنتِ التى فعلتِ . قالت : ولم طاوعتنى ولم تسقط من يدى ؟ قال القلم : ما كنت لأستطيع أن أفعل ذلك ، وحتى لو إستطعت ما كنت لأريد ، وحتى لو أردت ما كنت سأستريح ! ! قالت : لماذا ، وما شأنك أنت بى ؟ قال القلم : شأنى أنى قلمك الوحيد ، أتذكرين ؟ منذ سنين وأنتِ تخطين بى ما تريدين ، خطتُ لكِ كل شئ وعن أى شئ ، وكنت أطاوعك ، إلا شئ واحد يخصك أنتِ ما خطته لكِ . . كنت أعد الأيام عداً فى إنتظار هذه اللحظة التاريخية وهذا اليوم . . وها هى جاءت بعد أن هَرمتُ ، فما كان لى أن أضيعها أبداً ! ! قالت : أى لحظة تقصد ؟ وأى يوم ؟ قال القلم : لحظة أن يتسلل الحب إلى قلبك الجميل ، ويوم أن يسكن هذا القصر إنسان وحيد . قالت : وماذا أفعل فى كبريائى وعزة نفسى ؟ ألست تقول أنك تعرفنى منذ سنين ؟ إذن أجبنى ، أين عنادى وغرورى ؟ أين حصونى وقلاعى ؟ أين أسوارى العالية ؟ أين جيشى وحُراسى ؟ أين مقاومتى ودفاعى ؟ أين ذهب كل هؤلاء وتركونى وحيدة أعانى وأتألم هكذا ؟ كيف سمحوا له أن يحتل قلبى ويسكن قصرى ، ويداعب ورودى وزهورى ، ويلهو و يمرح فى بستانى ؟ أين كانوا ؟ قال القلم : كلهم ذهبوا بعيداً ، بعد أن فتحوا له الأبواب ، لم يعترض أحد طريقه ، فرحوا جميعهم لمجيئه ، إنتظروه طويلاً مثلما إنتظرته أنا ، تعبوا من طول السنين ، ومن حراسة قصر خاوى لا يسكنه إنسان ، واليوم ما عاد القصر خاوياً ، وما عاد يحتاج إلى حراس . قالت : ألم تر كيف إقتحم حياتى فى لحظات ؟ ألم تر كيف تسلل إلى قصرى بدون إستئذان ؟ لقد تغير وتبدل كل شئ فى حياتى . . ولكنك حتى الآن تراوغنى ولم تجب على سؤالى ، ماذا أفعل بكبريائى وعزة نفسى ؟ ولماذا بُحت بمكنونات صدرى بهذه السرعة ؟ وقبل أن يبوح هو ! ! قال القلم : لا . . لقد نسيتِ أنه باح بمكنونات صدره من قبلك عندما قال . . . وقال. . . وقال . .. قالت : وما أدراك أنه كان يقصد أنه يحبنى أنا ؟ قال القلم : أخبرنى قلمه ، فأنا وقلمه صديقان حميمان ، منذ سنين ، ولا يخفى كلانا عن الآخرشيئاً قالت : تباً لكم من أقلام ، تتركوننا نبوح بأسرارنا أمامكم ، ثم تفضحوننا ؟ بئس الأقلام أنتم . قال القلم : نحن لا نفعل شيئاً ، نحن نكتب ما تملونه علينا بالضبط ، لا نزيد كلمة ولا ننقص حرفاً قالت : وما ذا بعد أيها القلم اللئيم ؟ قال القلم : لا شئ . . أكملى ما بدأتِ ، إرسلى إليه الرسالة ، إطلقى سراح مشاعرك ، إطلقى لها العنان ، لا تتركيها حبيسة هكذا داخل أدراج نفسك ، لا تدعيها تئن فى أعماقك . . صوت أنينها لن يدعكِ تنامين ليلاِ ، ولا تهدأين نهاراً ، لا تكونى قاسية عليه وعلى نفسك ، فتقتلين حباً وليداً بيديكِ ، ثم تحفرى له قبراً فى باحة قصرك وتدفينه . . لن تقبله باحة القصر ، ولن تقبله كل بقاع الأرض , وسوف تعيشين بذنبه طول العمر ، إخبريه ، صارحيه ، إشركيه معك ، ما بداخلك ليس ملكاً لكِ وحدك . . إنه شريك لكِ فيه ، إن الحب حبه ، والقلب قلبه ، والقصر قصره ،ولم يعد ملكك وحدك . قالت : سوف أحاول قدر إستطاعتى أن أخرجه من القصر ! قال القلم : صدقينى . . لن تستطيعى ، لقد سكن القصر ، وتنسم هواه ، نام فى فرشه ، وصال وجال فى جنباته ، ولعب ومرح فى بستانه ، إنه الآن يعيش فى الجنة ، ومن منكم أيها البشر يختار أن يخرج من الجنة ؟ لقد فعلها أبوكم آدم منذ زمن سحيق ، وخرج منها مُرغماً بقوة العلى القدير ، خالقكم وخالقنا وخالق هذا الكون أجمعين . قالت : صه . . كفى . . أنت لم تعد قلمى ، لقد خونتنى مثل حراس قصرى ، أنت تدعوننى إلى الهلاك ، كيف لى أن أطاوعك؟ لا . . لا. . لن أطاوعك ، ولن أطاوع قلبى أبداً . وقفت فجأة . . وإمتدت يدها إلى الرسالة ، فأمسكت بها بعد أن ألقت بالقلم ، وجرت بها مسرعة نحو الباب ، وهى تردد بصوت مسموع : لا . . لن أرسلها إليه ، سوف أمزقها ، لن أبوح له بما فى داخلى ، لن أسلمه إرادتى ، ولن أدعه يسكن قصرى بعد اليوم ، لن أدعه ، لن أدعه ! ! فتحت الباب وإنطلقت مسرعة كى تمزق الرسالة وتلقيها فى صندوق القمامة بجوار البيت ليأخذها جامع القمامة . . ولكنها . . وبدون أن تدرى إتجهت مسرعة نحو صندوق البريد القريب من البيت عند ناصية الشارع ، وألقت بالرسالة داخل الصنوق وهى لا تعى ما فعلت ، وإستدارت عائدة إلى بيتها ، وهى تردد : لقد تخلصت منها ، لقد مزقتها ، لن أمكنه منى أبداً ، لن يستولى علىّ ولن أملكه إرادتى ، ولن أدعه يسكن قصرى بعد اليوم . . ودخلت إلى غرفتها كى تلملم أوراقها التى تبعثرت ، وقعت عيناها على القلم ، فوجدته يضحك من أعماقه وهو سعيد مسرور . . فقالت له : ماذا بك أيها القلم اللعين ؟ لم تضحك هكذا ؟ فقال القلم : لا شئ . . ماذا فعلتِ بالرسالة ؟ قالت على الفور : لقد تخلصت منها إلى الأبد ! ولن أدعه يسكن قصرى بعد اليوم ! ! قال القلم وهو يضحك : وأين ألقيتها ؟ قالت : فى صندوق القمامة ، ليأخذها جامع القمامة ويحرقها . قال القلم وهو يتعجب : وهل صندوق القمامة على ناصية الشارع أم بجوار البيت ؟ هنالك . . أفا قت لنفسها وعاد إليها وعيها . وتذكرت . أنها ما مزقت الرسالة . وما تخلصت منها . بل وضعتها بيدها فى صندوق البريد . وما صار بمقدورها أن تمنع وصولها إليه . لقد باحت له بكل شئ . وما عادت تخفى بداخلها شيئاً . . والأكثر من ذلك . . أنها ما عادت تستطيع أن تخرجه من قصرها بعد اليوم . . وإلى لقاء مع الجزء الثانى إن شاء الله . ( هذه القصة حازت على جائزة الإبداع . . فى المسابقة الثقافية . . فى منتدى الأدباء العرب عام 2011م ) .