يمر عبر دروب كثيرة، نتناول في هذا المقال جانبًا من أخطرها، ألا وهو إعلاء مصلحة الجماعة علي مصلحة الدولة، والافتئات علي قوانين الدولة المنظمة لحياة الناس وعمل المؤسسات، والاحتيال عليها تحت أي مسمي كان، بأي حيلة من الحيل التي تستحلها وتستبيحها تلك الجماعات التي تتاجر بالدين، ولا سيما إذا صاحب ذلك غض الطرف عن هذا الافتئات علي القانون بدعوي المواءمة من بعض الأشخاص الذين يحاولون إمساك العصا من المنتصف، ذلك أن أمر هذه الجماعات يبدأ بخرق القانون وانتهاكه وتبرير ذلك من باب أن الغاية تبرر الوسيلة، وأن كل ما يؤدي لتمكين الجماعة مباح، مع تجنيد من تستطيع تجنيده لخدمة أغراضها، فقد استخدمت هذه الجماعات ومازالت تستخدم الدين لخداع العامة، والحصول علي تأييدهم ودعمهم الانتخابي أو الأيديولوجي لها؛ لأجل اعتلائها سدة السلطة وتوظيفها هي الأخري لصالح الجماعة وأفرادها وعناصرها مع إقصاء مقيت لكل من لا ينتمي إليهم، إضافة إلي رمي المجتمع بالجاهلية أو الكفر أو الفسق والابتداع علي نحو ما تؤصل له أفكار جماعة الإخوان الإرهابية وغيرها من الجماعات المتطرفة. علمًا بأن أكثر شباب هذه الجماعات يضع كلام مرشدهِ فوق كل اعتبار، وهو المقدس الذي لا يرد، ولا مجال للتفكير أو إعمال العقل فيه، علي نحو ما يصدر عن بعض شيوخ الفتنة والفساد والضلال والإضلال الذين ينصحون الشباب بتسليم أنفسهم لجماعة الإرهاب الإخوانية أو الإخوان الإرهابية التي يحيطها الإرهاب من كل جانب، وما عليه بعد أن يسلم نفسه لها إلا أن يمتثل لما تمليه عليه جماعته حتي لو كان تفجير نفسه، فهم يولون مرشديهم السمع المطلق والطاعة المطلقة العمياء في إغفال واضح ومتعمد لدور العلم والعقل مع تلاعب بأصول الشرع وفروعه وتحريف لنصوصه ولي لأعناقها، وهو ما تعمل قيادات هذه الجماعات المتطرفة علي ترسيخه للسيطرة التامة علي عقول أتباعهم وعناصرهم، بحيث تتعود هذه العناصر مع الزمن إلغاء العقل، والتسليم المطلق لما تطلبه الجماعة عبر مرشدها أو من ينوب عنه. علي أن الطريق إلي داعش غالبًا لا يأتي صدفة، إنما يبدأ استدراجًا وبخاصة للناشئة والشباب، من خلال نشر المفاهيم الخاطئة، التي تبدأ بتكفير الحكام، فالمجتمعات، فالدعوة إلي الخروج، فالجهاد، فالتفجير، فالقتل، ومن ثمة كان لابد من تصحيح هذه المفاهيم، وهو ما دفعنا إلي رصدها، وتحليلها، وتفنيدها، وجعلها المرتكز الأساسي للتدريب والتثقيف العلمي، رجاء أن نصل بتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة إلي كل فرد من أفراد المجتمع، لتحصنه من ضلالات تلك الجماعات الإرهابية. كما أن هذه الجماعات المتطرفة كثيرًا ما تصوب وجهتها نحو المهمشين ثقافيًّا أو اجتماعيًّا أو المحطمين نفسيًّا، فيأتون إلي إنسان ينظر زملاؤه إليه نظرة انتقاص واحتقار، فيجعلون منه مسئولاً أو منسقًا أو زعيمًا أو أميرًا أو قائدًا لمجموعة مسلحة، فيحدثون لديه امتلاء نفسيًّا وسدًّا لعقدة النقص التي لديه، وقد يأتي هذا الاصطياد إثر تعرضه لمأساة أو معرّة أو مذلّة أو مهانة، وبخاصة إذا كان من الجهلة والفاشلين وغير المتعلمين، يَنفْذون إليهم في لحظات حرمانهم أو يأسهم أو إحباطهم، ونتيجة للأموال الضخمة التي تتلقاها المنظمات الإرهابية فإنها تغدق علي هؤلاء بما يشبع حرمانهم، ويجعلهم يلهثون خلف هؤلاء المخادعين الذي ينفذون إليهم من باب أنهم رسل العدالة وحملة لواء الدين، وأنهم يسعون إلي إحقاق الحق والعدل وتطبيق شرع الله الذي يكفل لهؤلاء المطحونين حقوقهم، في كلمات لا يراد بها سوي الباطل. ويمكن أن نتجنب هذا وأن نجنب شبابنا إياه لو أننا طبقنا منهج الإسلام في احترام إنسانية الإنسان وآدميته، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي: » يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ »، ويقول سبحانه : » يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَي أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَي أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ». وكذلك من خلال إعطاء الأولوية القصوي في التنمية للمناطق الشعبية والعشوائية والطبقات الكادحة والمهمشة والمحرومة والقري والنجوع والكفور والعزب والأحياء الأكثر فقرًا والأشد احتياجا، وهو ما تتجه إليه الدولة وبقوة في هذه المرحلة، مع ضرورة العمل علي استنهاض همم الجمعيات والمؤسسات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني وأهل الفضل من أبناء المجتمع للوفاء بحق هؤلاء من زكاتهم وصدقاتهم، مؤكدين أن كفاية هؤلاء المحتاجين بإطعام كل جائع منهم، وكساء كل عار، ومداواة كل مريض، وتفريج كروبهم، من فروض الكفايات التي يجب أن نتضامن ونتعاون جميعا في قضائها. كما يجب أن نعمل معًا وأن نسابق الزمن علي تحصين شبابنا بالعلم والفكر والثقافة وصحيح الأديان مرضاة لله (عزّ وجلّ) من جهة، وحفظًا علي أمننا القومي والوطني وشبابنا من أن تتخطفه أيدي الدواعش من جهة أخري.