من السهل جدا أن نقول لأمريكا : » مش عاوزين فلوسكم ».. ومن السهل جدا أيضا أن نرفع أصواتنا بالهجوم علي الولاياتالمتحدة لأنها قطعت عن مصر المبلغ السنوي الذي كانت تدفعه منذ ما يقرب من أربعين عاما تحت اسم » المعونة ». لكن المطلوب هو أن نتعامل مع الموقف الجديد بهدوء دون انفعال .. وأن نواجه التطور الجديد باحترافية ولا ننجرف وراء تعليقات الفيسبوك.. فالعلاقات بين الدول لا تكون هكذا.. خاصة مع دولة مثل الولاياتالمتحدة يكون فيها لمجلسي النواب والشيوخ دور بارز في تحديد مسار السياسة الخارجية.. ويكون لوسائل الإعلام بها الدور الأبرز في تحديد بوصلة اتجاه البيت الأبيض والكونجرس. خفضت الولاياتالمتحدة ما تقدمه لمصر بنحو 95 مليون دولار كمعونة اقتصادية.. وجمدت 195 مليون دولار أخري من المعونة العسكرية.. ليصل المبلغ الموقوف الي 295 مليون دولار.. أي نحو خمسة مليارات جنيه.. المصريون يدخنون بأضعاف هذا المبلغ. السبب وراء الموقف الأمريكي هو الحملة الإعلامية حول التعامل الرسمي المصري مع جمعيات المجتمع المدني خاصة بعد صدور قانون الجمعيات الأهلية الذي فرض بعض القيود علي مصادر تمويلها.. وهذا حق أصيل للدولة خاصة في الوقت الذي تواجه فيه نشاطا مشبوها لبعض الجمعيات لنشر الفوضي والهجوم علي مؤسسات الدولة. لكن »النشطاء» لم يعجبهم هذا القانون وفتحوا النار علي الدولة في الداخل والخارج. بدأت حكاية المعونة الأمريكية بعد أن وقعت مصر اتقاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، أعلنت الولاياتالمتحدة تقديم مساعدات تدعم الجانب الاقتصادي والعسكري، لكل من مصر وإسرائيل، من خلال مبلغ ثابت سنويًا في محاولة لتعزيز الاستقرار والازدهار في مصر، وفي عام 1982 تحولت المساعدات إلي منح لا ترد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية. ومنذ عام 1998 قررت أمريكا تخفيض المعونة الاقتصادية بنسبة 5٪ كل عام لتصل إلي نحو 400 مليون دولار.. مع الإبقاء علي المعونة العسكرية التي توقفت هي الأخري أكثر من مرة في السنوات الأخيرة خاصة في فترة حكم الرئيس السابق باراك أوباما. الرد الرسمي المصر اكتفي بالتعبير عن »الأسف» من القرار الذي يعكس سوء التقدير لطبيعة العلاقات بين البلدين.. ويفتقر الفهم الدقيق لأهمية دعم استقرار مصر ونجاح تجربتها وحجم وطبيعة التحديات التي تواجه الشعب المصري وخلط للأوراق بشكل قد تكون له تداعيات سلبية علي العلاقات بين البلدين. لا يمكن أن نعتبر هذا الرد كافيا أو مقنعا.. كما لا يمكن أن نعتبر بعض الآراء العنترية مناسبة لحل الأزمة.. فالمسألة ليست مجرد مبلغ مالي سنوي تدفع الإدارة الأمريكية لنا باليمين وتستعيده بالشمال.. لابد أن يفهم الجانب الأمريكي أن هذا المبلغ هو جزء أساسي من اتفاقية دولية بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية.. وأن الإخلال الأمريكي بسداد المبلغ يؤثر علي الاتفاقية ذاتها.. وبدلا من زيادة المبلغ بصورة سنوية إذا به يتناقص ويقل إلي النصف.. والآن يتم تجميده لأسباب لا تتعلق بالسبب الرئيسي لإقراره وهو اتفاقية السلام. هذه المعونة هي حق لمصر وليست إكرامية.. ولا يمكن ربطها بشيء آخر سوي انتهاك الاتفاقية أو أحد بنودها. ولابد أن يفهم الجانب الأمريكي أيضا أن مسألة تنظيم عمل الجمعيات الأهلية علي أرض مصر هو حق أصيل للدولة المصرية.. وأن ما يقرره الشعب المصري ممثلا في نوابه.. هو أمر غير قابل للمناقشة أو المساومة.