أثار قرار رفع الدعم عن المحروقات الذي أدي إلي زيادة أسعار البنزين في السوق المحلية، جدلا واسعا بين المواطنين في الشارع المصري وتساءل العديد من خبراء الاقتصاد عن مدي قدرة الحكومة علي إحكام السيطرة علي الأسواق حتي لا يبقي المواطن فريسة لاستغلا التجار، خاصة أن رفع أسعار البنزين يؤدي بالضرورة إلي رفع أسعار معظم السلع خاصة الغذائية، فضلا عن آثاره السلبية علي أسعار سيارات الأجرة التاكسي. لا مطلب الآن يعلو فوق إحكام السيطرة علي الأسواق ووضع قيم محددة للزيادة في أسعار خدمات النقل بصورة تعادل الزيادة في سعر البنزين. قال اللواء عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك إن الرقابة علي الأسواق يجب أن تكون في إطار منظومة متكاملة بالتعاون مع جميع الجهات والأجهزة المختصة حتي يمكن إحكام السيطرة علي الارتفاعات غير المبررة في أسعار بعض السلع، مشيرا إلي أن المشكلة الحقيقية التي نواجهها هي عدم وجود آليات واضحة يمكن من خلالها تحديد هوامش الربح للتجار بما يتناسب مع التكلفة الحقيقية للسلع، خاصة أن هناك العديد من التجار والبائعين يقومون برفع الأسعار بصورة مستمرة وغير مبررة وذلك بسبب عدم وجود آليات حقيقية لردع هؤلاء التجار. أضاف أن الآليات الموجودة بالقانون الجديد لحماية المستهلك ستعطي الفرصة لجهاز حماية المستهلك بطلب جميع التجار والبائعين بتقديم قوائم أسعار جميع السلع المتداولة لديهم حتي يستطيع الجهاز تحديد نسب الارتفاعات في الأسعار ومقارنتها بنِسَب ارتفاع تكلفة الإنتاج في حالة السلع المصنعة أو تكلفة شراء السلع المستوردة، مشيرا إلي أن القواعد الحالية لا تسمح بتحديد أسعار السلع حيث إننا نعمل في ظل اقتصاديات السوق الحر وطبقا لقواعد منظمة التجارة العالمية. قالت د. يمن الحماقي أستاذ الاقتصاد، إن إحكام الرقابة علي الأسواق يعد من أهم دعائم التنمية الاقتصادية، وعلي الحكومة أن يكون لديها استراتيجية واضحة ومحددة لفرض سيطرتها علي الأسواق حتي لا تترك المواطن فريسة لجشع التجار، مشيرة إلي أن ارتفاع سعر البنزين سيؤدي بالضرورة إلي ارتفاع أسعار جميع السلع وخاصة الخضراوات والفاكهة فضلا عن ارتفاع تعريفة سيارات الأجرة والتاكسي. وأضافت أن رفع الدعم عن المحروقات قد يكون له آثار إيجابية علي الموازنة العامة حيث إنه يساهم في تقليل العجز الكلي، إلا أن عدم تدخل الدولة لوضع قيم محددة للزيادة في أسعار خدمات النقل سيؤدي أولا إلي حالة من العشوائية بين سائقي سيارات الأجرة، ويرفع بنسب متفاوتة أسعار السلع الغذائية مما يلقي بأعباء إضافية علي المواطن المصري خاصة الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وقالت الحماقي إن رفع الدعم عن البنزين من شأنه أن يرفع معدل التضخم الذي وصل بالفعل إلي نسب غير مسبوقة حيث إنه تجاوز 30%، وسيؤدي ذلك بالضرورة إلي تقليل القدرة الشرائية للمواطنين، فضلا عن آثاره السلبية المحتملة علي قيمة العملة المحلية. وأشارت د. يمن إلي أن ارتفاع معدل التضخم إلي هذا المستوي قد يسبب حالة من الركود التضخمي وهو أن تشهد السوق المحلية حالة من الركود وانخفاض حجم الإقبال علي الشراء إلا أنه في نفس الوقت نجد أسعار السلع في ارتفاع مستمر، وهذا النوع من الكساد من أخطر المشكلات التي قد يتعرض لها اقتصاد أي دولة، ويتطلب سياسات معينة لمعالجته. وقالت الحماقي إن أحد أهم آليات السيطرة علي الأسواق هو تدخل الدولة بشكل أكبر في توفير السلع للمواطنين كمنافس للتجار خاصة بالنسبة للسلع الأساسية التي يعتمد عليها قطاع كبير من المواطنين، وطالبت بضرورة تقليل حلقات التداول للسلع الغذائية خاصة الخضراوات والفاكهة لأن ذلك يرفع تكلفة السلعة علي المستهلك، مشيرة إلي أن الحكومة يمكن أن تقوم بذلك من خلال التوسع في توفير السيارات المبردة وتوسيع منافذ البيع التابعة لوزارات التموين والزراعة. وأضافت أن نجاح الحكومة في تغطية كافة محافظات الجمهورية وتقديم السلع الغذائية بأسعار تنافسية سوف يجبر التجار في نهاية الأمر علي تخفيض الأسعار، ومن هنا يمكن للحكومة فرض سيطرتها علي الأسواق وحماية المواطن المصري من جشع التجار، وشددت الحماقي علي ضرورة تفعيل دور جمعيات حماية المستهلك باعتبارها أحد أهم أدوات الحكومة للرقابة علي الأسواق وحماية المواطنين من استغلال البائعين. وقالت أستاذ الاقتصاد إن السوق المحلية لم تستوعب آثار تحرير سعر الصرف حتي الآن ومازال هناك تخبط في قطاعات كبيرة من السوق ويؤثر ذلك بشكل مباشر علي كفاءة السوق، مشيرة إلي ضرورة متابعة آثار رفع أسعار البنزين علي تنافسية الإنتاج خاصة للمصانع والمشروعات الصغيرة. من جانبه، أكد د. رشاد عبده، رئيس المنتدي المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن عدم تحديد هامش ربح للسلع المتداولة محليا يعد أحد أهم الأسباب الرئيسية في ارتفاع الأسعار، خاصة مع عدم وجود ضوابط محددة يمكن للحكومة من خلالها إجبار التجار علي الالتزام بنسب محددة لزيادة أسعار السلع، مشيرا إلي أن عدم قدرة الحكومة علي إحكام السيطرة علي السوق، بالإضافة إلي حالة الجشع التي سيطرت علي معظم التجار ومحتكري السلع الرئيسية تحت دعاوي السوق الحر، كل ذلك جعل المواطن فريسة لهؤلاء الجشعين الذين يستغلون مواطن الضعف في منظومة التسعير الحالية لتحقيق مكاسب علي حساب المواطنين. أشاد رئيس المنتدي الاقتصادي بمنافذ سلع القوات المسلحة المنتشرة في مختلف المحافظات، وطالب بضرورة توسيعها وزيادة انتشارها حتي تغطي كافة أرجاء الجمهورية بهدف توفير السلع للمواطنين بأسعار مناسبة وخاصة في المناطق الفقيرة. وأكد أهمية تشجيع الصناعات والمنتجات المحلية بحوافز تشجيعية تعمل علي الحد من الاستيراد، فضلا عن تفعيل دور شركات قطاع الأعمال العام للمساهمة في ضبط الأسواق وإعادة إحياء الشركات التي تعاني من خسائر مزمنة لسنوات طويلة.