محمد يشرح حالته قرأنا كثيرا عن البطولات والامجاد التي صنعها ابناء محافظة المنصورة في مواجهتهم للحملة الفرنسية التي شنها الطاغية الفرنسي لويس التاسع علي مصر من ناحية البحر المتوسط.. ولان التاريخ يفصل بقرون عديدة بين جيلنا وجيل ابناء المنصورة الذي تصدي لهذه الحملة فلم نشاهد ايا من هؤلاء البواسل.. ولكن القدر كان رحيما بنا في زمننا هذا في الالفية الثالثة لنشاهد بطلا من نسل هؤلاء الذين سطروا التاريخ.. محمد محمد فهمي المكاوي ابن مدينة المنصورة واحد ابطال ثورة 25 يناير ..فقد أعز ما يملك في حياته في احداث الثورة .. فقد عينيه الاثتنين " الخضرواتان " واصبح يحمل لقب كفيف بتقدير الشرف الذي تمنحه مصر.. من المؤكد انك ستبكي عندما تشاهده لانك ستشاهد شخص في ريعان شبابه يبلغ من العمر 27 عاما وسيبقي طيلة حياته " ضريرا ".. ومن المؤكد ان البكاء قد يتحول الي نحيب عندما تعلم ان لديه زهرتين مسئول عنهما.. اول زهرة هي ابنته الكبري شيماء التي وجدت في الدنيا منذ عام واحد فقط ، اما نور الهدي شقيقتها فهي الزهرة الثانية في حياة محمد والتي تبلغ من العمر 4 شهور ولديها ثقب في القلب. حالة من الرضا والحمد غير عادية تنتاب محمد ..تجده يقول الحمد والشكر لله ..هذا قضاء الله وقدره ..لا يتوقف عن دعاء المولي بأن يعجل بسرعة شفائه رغم ان الاطباء اكدوا له استحالة عودة الرؤية الي العين اليمني ، كما ان العين اليسري ربما تعود الي سابق عهدها ولكن ليس بنفس الكفاءة ودرجة الابصار ..ستقل كثيرا في طبيعة عملها .. ولكن كيف حدث ذلك لعيون محمد ؟..يجيب مسترجعا الاحداث ..قبل تنحي رئيس الجمهورية بثلاثة ايام من منصبه ، ذهبت مع صديقي الي شارع بورسعيد من اجل انقاذ السنترال الخاص بصديقنا الثالث وتجميع محتوياته وكروت الشحن والاموال المتواجدة داخله بعد ان بدأ البلطجية وتجار المخدرات يأتون علي الاخضر واليابس في محلات الشارع ..وينهبون ويسرقون كل كبيرة وصغيرة ويتشابكون مع شباب الثورة في مشادات ومشاجرات لدرجة وصلت الي قذفهم بالقنابل والاسلحة المسيلة للدموع التي حصلوا عليها باتفاق مع اعوانهم من ضباط شرطة قسم المنصورة اول ..واثناء هذه الاشتباكات شاهدت بعض البلطجية الذين يقطنون بجواري يشتبكون مع الشاب ..وذهبت لاقناعهم بخطأ تصرفهم وعدولهم عن افعالهم لان الشباب علي حق ويريد تطهير البلاد من الظلم والفساد المستشري ..ولكن لم يقتنعوا وسدوا آذانهم واعتدوا علي شخصي .. ومع هذا الافتراء علي الشباب انضممت اليهم وبدأنا في القاء الطوب والحجارة عليهم..خلال هذه الاجواء اصيب سامح صديقي بطلق رشاش اسفل حاجبه الايسر ، اما انا فقد اصبت بنفس الطلق في انفي واعلي عيني اليمني. بعد ذلك يقول محمد: ذهبت الي منزلي وتلقيت بعض الاسعافات الاولية ، وقررت الذهاب الي ميدان التحرير وكان ذلك مساء الاربعاء مع صديقي سامح ، وعدنا يوم السبت الي المنصورة اي بعد جمعة التنحي بيوم واحد ، وبمجرد وصولي الي المنصورة فوجئت بالبلطجية وتجار المخدرات الذين من المفترض انهم جيراني إذا بهم يلومونني ويعاتبونني علي الوقوف ضدهم مع المتظاهرين الشباب .. ووصل الامر الي قيامهم باطلاق الرصاص الرشاش مرة اخري والتصويب باتجاهي مباشرة وسط الشارع علي مرأي ومسمع من الجميع دون تحرك من اي شخص او ضابط شرطة او جيش ..وترتب علي ذلك استقرار رصاصتين داخل عيني اليسري ..ورصاصة داخل العين اليمني اسفرت عن نزيف في الشبكية والقرنية وثقب في مركز الابصار وضمور بالخلايا الشبكية والصدفية. هنا سقطت علي الارض ..ولم اشعر بنفسي الا داخل المستشفي الدولي الذي رفض استقبال حالتي ، والرفض لم يكن منه وحده بل جاء من عدة مستشفيات اخري ..واخيرا وافقت مستشفي الرمد علي اجراء اشعة ..كما قام مستشفي الدلتا باستخراج 12 رصاصة اخري من مختلف انحاء جسدي ..وتوجهت بعد ذلك لمستشفي المغربي حيث اكد الاطباء فقداني للابد عيني اليمني ..وتوجد محاولات لاعادة الابصار الي اليسري التي اري بها قليلا حاليا ..واكدوا ان العلاج بها سيكون عبر الادوية لوقف النزيف والتليف في أنسجتها ..كما ان الرصاص سيظل مستقرا داخل عينيه ولن ولم يتم استخراجهما للابد .. محمد توجه الي مكتب النائب العام لتقديم بلاغ ضد كل من سعد الدسوقي ومصطفي الغضبان لانهما هما البلطجية اللذان اطلقا الرصاص عليه.. مؤكدا انه لا يوجد شئ في الكون يستطيع ان يعوضه عن عينيه الا عندما يشاهد محاكمة هؤلاء البلطجية والقصاص منهم لانهم كانوا اعوان النظام السابق واشتركوا في قتل شباب الثورة وكانوا يمارسون تجارتهم في المخدرات علنا بمباركة وموافقة من ضباط شرطة قسم اول المنصورة ولا يزالون يمارسون تجارتهم حتي الان لانهم لم يقدموا الي المحاكمة. محمد بعد فقد عينيه.. فقد مصدر عمله حيث يعمل نقاشا.. وهو العائل الوحيد لاسرته ووالده ووالدته وشقيقته ..قام اهل الخير وبعض اقاربه بتجميع مبلغ مادي لشراء تاكسي له ليعمل عليه احد اصدقائه ويشاركه في ايراده ..وفي اطار مبادرة الاخبار لدعم المتضررين فقد قدمت مبلغ 10 آلاف جنيه لمحمد مساهمة في تكلفة التاكسي.. ويتبقي فقط لمحمد الحصول علي عداد هذا التاكسي ..والحصول عليه يعتبر امرا من رابع المستحيلات لان الوضع المادي له ولاسرته لا يسمح بشراء تاكسي وشراء عداد يبلغ ثمنه اضعاف التاكسي.. لذا محمد يتوجه بمناشدة عاجلة الي محافظ الدقهلية باعفائه من رسوم العداد وتسهيل الحصول عليه.. حتي يتمكن من الانفاق علي عائلته التي اصبحت بلا دخل.