لا أعلم بلدا في اقطار الارض اثني الله عليه بمثل هذا الثناء ولاوصفه هذا الوصف، ولا شهد له بالأمن مثل مصر بأمر من الله تعالي »ادخلوا مصر ان شاءالله آمنين« حيث تدل هذه الآية علي ان مصر بأمر من الله تعالي ستكون دوما بلد الامن والامان. الامن »السكينة والطمأنينة« في كل دول العالم يمثل حالة خاصة جدا باعتباره احد المقومات الاساسية لتحقيق الاستقرار والتقدم وهو الذي يحدد ويرسم ملامح العالم المتحضر والعالم المتخلف، وفي رحابه يأمن الانسان علي نفسه وماله وعرضه ويتجنب اللصوص وقطاع الطرق، وهذه الحقائق لاوجود لمجتمع متحضر الا بها ولاسعادة له بدونها. والدول المتقدمة اجتهدت بطريقة واقعية في دراسة حقيقة هذا المضمون الذي يستطيع ان يحقق النهضة الفكرية والثقافية والاقتصادية في ظل الهدوء والطمأنينة التي تكسر القيود وتفتح المجال للعقول للتفكير الحر والابداع وتسمح بسريان نسيم الحقوق والحريات، فلا يتصور ان تتحقق اي نهضة حقيقية في ظل غياب الامن وسريان حالة الفوضي وشيوع روح العصيان والتمرد. ولانود ان نبالغ ونقول ان عدم الشعور بالامان يؤدي بطريقة مباشرة إلي الاصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم وعدم الرغبة في الطعام وصعوبة تذوق النوم. الامان الوظيفي يعني السكينة والاستقرار والسماح للموظف بالتحرك بحرية داخل مستطيل الوظيفة العامة، ويقاس ذلك بما يتاح له من سلطات واختصاصات وقدرة علي ابداء رأيه في حالة وجود خطأ في العمل ومخاطبة من يعلو درجته الوظيفية بأوجه القصور والعيوب التي لاتحقق المصلحة العامة، وتقرير مناهج موضوعية لنظام الترقيات ومنح العلاوات والمكافآت بعيدا عن المجاملات ووضع فلسفة جديدة لنظام الاجر والمعاش يتناسب مع الواقع الذي يسود المجتمع بطريقة مرحلية تكفل للموظف الشعور بالطمأنينة بالنسبة لمستقبله ومستقبل اولاده. اني اسف كل الاسف وانا أقول ان الصورة الحقيقية لموضوع الامان الوظيفي للموظف العام داخل مرافقنا العامة ليست جيدة وتحتاج إلي المزيد والمزيد من الاهتمام والرعاية. فالموظف العام يجد صعوبة شديدة في التواصل مع رؤسائه وعرض وجهة نظره ومناقشتهم وعرض مطالبه الخاصة بحقوقه في الصباح وخلال ساعات العمل الرسمية، ولذلك يلجأ في المساء إلي القنوات الفضائية المفتوحة الطريقة النموذجية لنيل الحقوق الان التي تترك له الحرية الكاملة لعرض وجهة نظره ومطالبه والكارثة الكبري التي لايتوقعها الموظف نفسه ان رئيسه المباشر ومن خلال مداخلة علي القناة الفضائية يتحاور معه ويسمع وجهة نظره وفي نهاية المطاف يستجيب لمطالبه علي الهواء مباشرة ويستأذنه بكل رقة وأدب ان يطرق بابه في الصباح لبحث المشكلة. يجب ان نعلم علم اليقين ان الامان الوظيفي لايستقيم ولاتكتب شهادة ميلاده الا في المناخ الصحي القائم علي الديمقراطية الحقيقية وحرية الرأي والتعبير، فالقسوة والعقوبات التادبيبة العنيفة وقرارات النقل التعسفي وفرض سياسة تكميم الافواه داخل مرافقنا العامة نتج عنها شيوع حالة الاعتصامات والاضرابات واللجوء للفضائيات، وسوف تؤدي إلي الخمول والكسل وعدم القدرة علي اداء العمل والخوف من تحمل المسئولية.