غريب أمر رؤساء الجامعات وعميدي الكليات المصرية. الأصل في عميد الكلية أو رئيس الجامعة هو قيمته العلمية. والذي يبقي من عميد الكلية أو عميد الجامعة هو كتبه وأبحاثه ومواقفه الوطنية. ولقد جري النظام الجامعي في كل الدنيا علي أساس أن يكون منصب عميد الكلية أو رئيس الجامعة بالانتخاب. كان ذلك يحدث في مصر قبل ثورة 1952 وبشكل عظيم. والذي جري علي جامعات مصر كان جزءا مما جري علي مصر كلها. صارت هذه المناصب بالتعيين من قبل وزير التعليم العالي الذي هو بدوره أحد أعضاء الحزب الحاكم. ثم صار معروفا أن للجهات الامنية دخلا اساسيا في اختيار الأساتذة لهذه المناصب في مصر كلها. شيئا فشيئا ساءت سمعة من تولي أو يتولي هذه المناصب حتي لو كان رجل علم ومحط الاحترام.صار ينظر إلي من يتولي هذه المناصب بعين الريبة. ولا أريد أن أقول إنه تم في معظم الاحيان اختيار من هو غير جدير بها ،حتي لا اسيئ الي أحد. بل صار يقال علي الجملة أن جميع من يتولون هذه المناصب ولاؤهم للاجهزة الامنية أكثر مما هو للعلم. صاروا جميعا موضع اتهام. ولا اعرف لماذا كان الواحد منهم يستمر في منصبه إلا بسبب إغراءات المنصب الادارية ، غير العلمية من فضلك، وما قد يحققه ذلك من مكاسب شخصية. لقد صارت الجامعات ملاعب لأمن الدولة وتدخلاتها ومراقبتها لكل انشطة الطلاب والأساتذة السياسية وغير السياسية. وليس خافيا أن عددا كبيرا من هؤلاء المسئولين كان منتظما في إرسال التقارير للجهات الامنية عن خط سير العملية التعليمية أو عن أي نشاط سياسي يري هو إنه لا يتفق مع سياسة الحزب الحاكم. وقعت ثورة 25 يناير العظيمة ولا يزال أنصار النظام القديم يبذلون جهدهم في تعطيل انجازاتها وتحقيق شعاراتها. ساعدهم بطء القرارات من الحكومة أو المجلس العسكري، وساعدهم أكثر مرور فترة رئاسة السيد أحمد شفيق للوزارة دون اي انجازات في صالح الثورة. ويمكن أن يكون للحكومة عذرها باعتبار أن البلد كلها تحتاج في الحقيقة الي التجديد في كل شيء. ويمكن أن يكون للمجلس العسكري عذره أيضا لنفس السبب. لكن بالتأكيد لن تنتظر الثورة وستعمل علي أن تكون قوة الدفع عند الحكومة والمجلس العسكري أسرع. ولقد ظهر ذلك في الدعوة الأسبوع الماضية إلي جمعة انقاذ الثورة وإلي الدعوة أيضا لذلك غدا الجمعة. إيقاع الثورة غير إيقاع الحكم ان لم يكن بحكم انها ثورة فبحكم أن قياداتها من الشباب. والحقيقة إنه بالاثنين معا.. لن اتحدث عن هذا الفارق فيما تريد الثورة وما يفعله الحكم الآن. الفارق في الإيقاع علي الأقل. ففي النهاية تتحقق مطالب الثورة. لكن هذا الإيقاع البطئ يغري أعداءها بالبقاء في مناصبهم أكثر، وبالتربص بها أكثر،ولا يستفيدون من أي درس، ويعرفون أن يومهم قادم لا محالة. تأخر الحكم في تغيير القيادات الصحفية ثم فعلها، وتأخر في تغيير القيادات الإعلامية ثم فعلها. وتأخر في محاسبة أكبر رجال العهد السابق. سرور والشريف وعزمي ثم فعلها. لكنه لايزال متاخرا في تغيير المحافظين وحل المجالس المحلية وتغيير رؤساء الجامعات. واذا كان المحافظون واعضاء المجالس المحلية هم في الأساس أهل عمل لا سياسة، رغم أن الأمر يجب ان يكون عكس ذلك. فكلهم معينون من النظام السابق. بمن فيهم أعضاء المجالس المحلية المنتخبون، فالجميع يعرف أن كل أنواع الانتخابات في مصر كانت تعيينا بشكل أو بآخر. اذا كان لهم العذر أن يبقوا حتي يتم تغييرهم فليس هناك عذر لرؤساء الجامعات وعمداء الكليات باعتبارهم أهل علم وفكر. أو هكذا يجب أن تكون الامور ، ولا تمثل لهم الوظيفة شيئا ذا قيمة. لكنهم للأسف بتمسكهم بمناصبهم إلي هذا الحد يؤكدون أنهم أهل وظيفة أكثر من أي شيء آخر. إنهم حتي لا يفكرون أن النظام الذي عينهم سقط ، ولا ينظرون حولهم لينجوا بأنفسهم من كل ما لصق بهم من تهم. يتخيلون كما تخيل حسني مبارك أنهم الأول والاخر ، وكما يتخيل القذافي الآن وعلي عبد الله صالح وغيرهما ممن قامت الثورات للتخلص منه. حتي لو كان وزير التعليم اعطاهم مهلة ما فعليهم ان يعودوا الي الوضع الطبيعي لاستاذ الجامعة. وهو أنه استاذ وباحث ومفكر وعالم قبل اي شيء آخر. لو أن رؤساء الجامعات وعمداء الكليات فعلوا كما حدث في جامعة عين شمس وتركوا مناصبهم في الجامعة والكليات لكانوا قد برأوا أنفسهم من أي تهم سابقة فما بالك بالشكوك. الآن هناك حقيقة مؤسفة أن هؤلاء الاساتذة يراهنون علي إخفاق الثورة التي لن تخفق. ويقفون أمام حركة التاريخ وأمام الوضع الطبيعي للجامعات والكليات، أن تكون مناصبها بالانتخاب. أقول هذا الكلام بمناسبة ما أقرأ وأتابع علي المواقع الالكترونية من غضب للطلاب في أكثر من كلية وجامعة ومن اعتصام لطلاب كلية اعلام القاهرة يطالبون برحيل عميد الكلية. وأشعر بالأسي لأن أهل العلم والثقافة لا يعرفون ما يبقي لهم، ولا يزالون يعملون وفق المنظومة القديمة المهينة، بل لعلهم ينتظرون تكوين جهاز الأمن الوطني. البديل عن أمن الدولة، متصورين إنه سينقذهم ويجعلهم في مناصبهم. ياأيها الأساتذة لا معني ولا قيمة لأي علم تدرّسونه للطلاب ولا لأي كتاب ألفتموه وانتم تقفون أمام مطالب الثورة فيما يخص الجامعات. وهو المطلب الحقيقي الذي طال انتظاره. أن تعود الجامعة إلي بهائها مكانا للعلم والحياة الديموقراطية في أحسن صورها. وأرجوكم لايقول أحد أن هناك أعمالا ترتبط بالبقاء حتي انتهاء الترم الثاني، ربما لو كنتم استجبتم لمطالب الثورة كانت الانتخابات عادت بكم أو أكثركم في شكل ليس فيه أي مهانة ولا تثور من حوله أي شكوك. وأنتم أحرار في اختياركم لكنه الاختيار الأسوأ في تاريخ الجامعة المصرية للأسف الشديد..