أثارت قضية شغل منصب عميد الكلية في الجامعات بين الانتخاب والتعيين ردود أفعال عديدة ربما يعبر عنها أحد رموز التعليم في مصر وأحد المهمومين بقضية التعليم وهو الدكتور محمد سكران أستاذ التربية الذي يطرح رؤيته في رسالة تحمل عنوان نعم للانتخاب ولا للتعيين يتناول فيها بوضوح تطور الأحداث التي أدت إلي الوضع الحالي ويكشف في تحليل دقيق جوانب مهمة وجديدة في القضية. يقول الدكتور محمد سكران إن القضية واحدة من القضايا التعليمية الفنية منها وتلك ذات الأبعاد الثقافية والمجتمعية وكلها تصب في المصلحة العليا للوطن ومن مصلحة التعليم في مصر أن تناقش هذه القضية باهتمام وهي قضية' تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات'. وباعتباري من المهتمين والمهمومين بها منذ أكثر من ثلاثين عاما; حيث كانت تشكل أحد محاور رسالتي للدكتوراه حول' الحرية الأكاديمية في الجامعات المصرية' فإن ما أطرحه علي هامش هذه القضية تؤيده حقائق التاريخ ومعطيات الواقع, من أن مبدأ' التعيين' هو نتاج تركة متوارثة من الماضي, وكان للسياسة تأثيرها الواضح في إقراره. فبالنسبة لرؤساء الجامعات فإنه وقبل قيام ثورة يوليو عام1952 تدخلت الصراعات الحزبية, والسياسية في أن يكون تعيين مدير الجامعة رئيس الجامعة حاليا بمرسوم ملكي وأصبح بعد قيام الثورة بقرار جمهوري, وهو ما استمر عليه الوضع حتي الآن. ومن المضحكات المبكيات بخصوص تعيين القيادات الجامعية أن الأمر أصبح يخضع في الغالب الأعم لنوعية تخصص من بيده الترشيح, فحتي عهد قريب كان للحقوقيين الغلبة, وأصبحت هذه الغلبة الآن, ومنذ سنوات قليلة لتخصص' الهندسة, وربما تأتي معايير أخري ومن بينها تشابه الأسماء كما ذكرتم فكل شيء أصبح ممكن الحدوث في هذا الزمن الرديء. أما بالنسبة لتعيين عمداء الكليات فهم من أكثر القيادات تعرضا للتخبط في أسلوب شغل مناصبهم, فعندما صدر أول قانون منظم للجامعة المصرية بصفتها الرسمية عام1925 ميلادية, فإنه نص علي أن يكون لوزير المعارف حق تعيين العميد لأول مرة, ولكن إذا خلا المنصب لأي سبب من الأسباب فإنه لا بد أن يؤخذ رأي الكلية عند تعيين عميد جديد لها. ولكن وبعد قضية طه حسين وكتابه في الشعر الجاهلي الذي أثار يومها جدلا عنيفا, وأدي بعد ذلك إلي فصله من الجامعة, وأصدر مجلس النواب وقتها تشريعات تستهدف الحد من سلطات الجامعة, حتي لا تخرج مثل هذا الملحد الكافر والتهمة والوصف للأسف الشديد مما جاء في حيثيات إصدار هذه التشريعات وبموجبها صدر قانون1927, المنظم للجامعة المصرية, والذي أعطي لوزير المعارف حق تعيين العميد دون أخذ رأي الكلية تحت أي سبب من الأسباب. واستمر العمل بهذا القانون بعد ذلك وأصبحت نصوصه تشكل معظم القوانين المنظمة للجامعة المصرية والمقيدة لاستقلالها, إلي أن جاء إرساء قانون1972 والذي أعطي الكليات التي بها أكثر من عشرة أساتذة, حق اختيار ثلاثة من هؤلاء الأساتذة, يختار رئيس الجامعة من بينهم عميد الكلية. ويضيف الدكتور محمد سكران أنه بالرغم من كل ما كان يعانيه هذا الشرط من عيوب, خاصة أن هناك العديد من الكليات التي لم يكن يتوافر فيها هذا العدد من الأساتذة في ظل ظاهرة الهجرة للبلاد النفطية للعمل في جامعاتها في ذلك الوقت وإنشاء العديد من الكليات الإقليمية, التي كانت في وقت من الأوقات لا يتوافر فيها حتي هذا العدد من معاوني هيئة التدريس وليس من الأساتذة نقول إنه بالرغم من كل هذا إلا أنه كان يحمل بعضا من رائحة الديمقراطية من خلال حق الكلية في اختيار عميدها مادامت يتوافر فيها العدد المطلوب من الأساتذة. وللأسف الشديد فإن ذلك لم يستمر طويلا حيث تم إلغاء عملية اختيار عميد الكلية وإعطاء رئيس الجامعة وحده دون غيره حق تعيينه, وهكذا أصبح مبدأ' التعيين' هو المطبق علي كل القيادات الجامعية. ولا يحتاج الأمر إلي المزيد من الشرح لتوضيح خطورة هذا المبدأ, ليس فقط علي مستوي القيادات الجامعية, وإنما علي مستوي كل الكليات, وفي كل المؤسسات, لأن هذا المبدأ لا يعني إلا الالتزام, والطاعة واغتيال أنبل ما يمتلكه الإنسان, وهي وليس غيرها حريته وإرادته في اختيار من يتولون أموره, وينظمون أعماله. ويختتم الدكتور محمد سكران رؤيته أو مداخلته في القضية قائلا: إننا لا ننكر أن هناك من هو جدير بأن يتولي منصب العمادة عن طريق التعيين وسلامة اتخاذ القرار بشأنهم, مما يدعو للإعجاب بهم لكننا لسنا هنا بصدد الإعجاب وإنما بصدد إقرار مبدأ ديمقراطي أصيل, وهو وليس غيره مبدأ الانتخاب الحر المباشر لكل القيادات, حتي نضمن الوصول إلي عناصر متميزة لشغل المناصب الجامعية. [email protected] المزيد من مقالات لبيب السباعى