أنا ضد استنساخ التجربة المصرية في الثورة، بدول عربية أخري- ولا أغرد بهذا الرأي وتلك القناعة خارج السرب، ولا أسير في الاتجاه المعاكس،وبالطبع لا استهدف الدفاع عن نظام عربي مهما كان، فليس لدي فاتورة واجبة السداد عند أحد، ولا اتناقض مع موقفي الداعم لثورة 52 يناير التي غيرت وجه المنطقة وقناعتي بأن مصر بفعل الثورة التي اشاد بها العالم، قدمت نموذجا فريدا في التغيير السلمي والحضاري تستعيد مكانة فقدتها، ودور غاب عنها، هو »الدولة القائد« التي ستتحمل مسئولية نقل العالم العربي إلي تحقيق العدالة والديمقراطية وحرية الرأي، إلا أننا لابد ان نعترف بأن ظروف دولة مثل مصر، تختلف عن واقع دول مثل اليمن وليبيا، والبحرين ناهيك عن العراق والأردن، والجزائر وسوريا والمغرب، وكلها تشهد تحركات شعبية تطالب بتغيير الأنظمة، في النموذج المصري باعتبارها دولة مؤسسات، لم يستغرق الأمر سوي أسبوعين فقط، حتي تمت عملية الانتقال السلمي والسلس للسلطة، خاصة أن المؤسسة العسكرية انحازت إلي مطالب الجماهير منذ اللحظة الأولي، الثورة في مصر، أكدت أن الشعب نسيج واحد، أظهرت المعدن الأصيل الذي أفشل كل المخططات الخاصة بالاحتقان الطائفي. ولعل السؤال المطروح، ما هو سيناريو اليوم التالي لسقوط النظام في دولة مثل ليبيا، اعتقد من خلال مؤشرات مهمة - وليس ترويجا لأفكار أو أحاديث أحد- أنها الفوضي، والحرب الأهلية، وتفتيت الدولة، فقد تم تغييب المؤسسة العسكرية، فهي الأضعف علي حساب تقوية وتعدد الأجهزة الأمنية، لم يكن لها دور واضح ومحدد في إطار صياغة أحول الدولة وهي بذلك لن تكون بديلا للنظام، كما ان ليبيا دولة مترامية الأطراف مساحتها أكثر من دول أوروبية، مما خلق واقع سيطرة النظام علي غرب ليبيا وغيابه عن الشرق، دون ان يحسم الجنوب أمره وكما أن الدولة - بفعل فاعل- لم تنجح في تجاوز النظام القبلي، وأنظر إلي أرقام الضحايا وحجم الدمار، وشكل المواجهات، وهناك شئ في الأزمة الليبية، لم يلتفت إليه أحد، وتعتبر سابقة علي الأقل عربيا، عندما تم تسريب معلومات تم نفيها، عن استعدادات حلف الاطلنطي للتدخل العسكري، وهي محاولة في الغرب لحماية مصالحه الاقتصادية. واليمن ليس أفضل من هذا المنظور، صحيح أن هناك مؤسسة عسكرية، ولكن تم استهلاكها في حروب الحوثيين، والمواجهات مع القاعدة.. والخطورة أن مطالب تغيير النظام مشروعة ومحترمة، ولكنها توافقت مع أزمات الداخل، سواء الدعوة إلي انفصال الجنوب، أو تحدي القاعدة واستنفار الحوثيين ضد الدولة، كما ان دعم بعض القبائل مثل حاشد وبكيل للثورة، »انتهازية سياسية« وركوب للموجة، إلاأن الخلافات ضخمة، بين هذه القبائل، فهناك القبيلة أقوي من الدولة، وتعلو عليها كما أن المعارضة في إطار اللقاء المشترك تعاني من أمراض المعارضة المصرية.. ناهيك عن حجم الاسلحة الصغيرة والمتوسطة لدي كل افراد الشعب اليمني. أما الخطورة الأكبر فهي في البحرين، فبدون تجاوز للواقع وإقرارا بالحقيقة، فإن المطالبين باصلاح النظام، هم شيعة البحرين ويمثلون نموذجا صارخا »للترف السياسي« فالوفاق، وهو التنظيم السياسي الأكبر لهم رشح في الانتخابات الماضية 91 نائبا وفازوا جميعا، وهم أقل من نصف العدد بصوت واحد، ولكنهم ولأسباب طائفية، عجزوا عن تشكيل تحالف بين قوي دينية أخري، لها تحفظات علي الحكومة، سواء الإخوان المسلمين والسلف، ناهيك عن مكمن الخطر في القضية، أن هناك دعما ورعاية إيرانية لهذه التظاهرات مما يهدد بتغيير درامي في المنطقة يوسع نفوذ إيران، وتعبر به إلي الضفة المقابلة للخليج، وموضع قدم لها، تؤثر بالضرورة علي أوضاع الشيعة في المنطقة الشرقية بالسعودية والأوضاع في الكويت. أخيرا.. أنا مع التغيير- مع الحرية- مع الانفتاح الديمقراطي في العالم العربي، ولكن وفقا لظروف كل دولة، وأوضاعها الداخلية.