بعد ان انطلقت ثورة الإصلاح، ودفعت الثمن غاليا من دماء الشهداء من ابناء هذا الوطن، مطالبة بالتغيير والعدل الاجتماعي والاصلاح السياسي، ورفع الظلم وتحقيق التنمية في شتي المجالات بما يستحق هذا الوطن المجيد عبر السنين، ولأن الثورة كانت علي الفساد والظلم المبين، فكان علينا ان نوقف حملات الرياء والنفاق أو الانتقام والثأر حتي لا تتوه مآثر »الثورة المصرية« وسط الزحام بعد ان قدمت لنا العظة والدروس، فأيقظت الضمير الوطني، وكسرت جدار السلبية واللامبالاة، وحطمت حواجز الصمت وبعثت الامل في التغيير والاصلاح، بعد ان امسكت بتلابيب الاسباب والمسببات الحقيقية التي فجرت ذلك البركان العظيم. ما كان علينا ان نرسخ الثقة والامل في نفوس الناس، وان نباعد بين نشوة الاستقبال وسوء الوداع، وألا نجعل من الرئيس، أي رئيس، زاهيا متسلطا بالمديح تارة والتأليه تارة اخري، وعلي طول الخط وفي كل وقت وحين، علينا ان نجاهر بالحق في كل زمان ومكان لأن الحق قوة، حتي ولو أتت ثماره بعد حين، علينا ان نتحلي بلغة الحوار، وثقافة قبول الخلاف بعقلانية وتحضر، ليبقي اي خلاف مهما بلغ لا يفسد للود قضية، لينا ان نستفيد من السوابق التي جرت في التاريخ، فنفتح بشجاعة وبغير خجل او مجاملة ملفات الفساد في كل مجال، في الحياة السياسية والاقتصادية، وأيضا الحياة الحزبية والاعلامية بعد ان اشاع ذلك كله الخوف والظلم بين أبناء هذا المجتمع، لأن النصوص والشعارات لا تقوي علي البقاء..بل تظل قيمتها بقدر ما يتحقق منها في الواقع، ليبقي دوما الواقع الاجتماعي هو الحكم والملاذ ومصدر القوة ولو بعد حين. ففي التاريخ المعاصر ومنذ صدور دستور 1791 وما طرأ من تعديلات النصوص.. وقد اعلنت الشعارات في باب المقومات الأساسية للدولة.. فالاقتصاد يجب ان يقوم علي عدالة التوزيع، ورفع مستوي المعيشة، والقضاء علي البطالة وزيادة فرص العمل، ووضع حد أعلي يكفل تقريب الفروق بين الدخول تحقيقا للعدالة الاجتماعية، والتضامن الاجتماعي.. وتكافؤ الفرص والمساواة.. كل ذلك في نصوص الدستور وكذلك الالتزام برعاية النشء والشباب وكفالة الدولة لحق العمل والخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية والتأمين الاجتماعي والصحي والتعليم.. فضلا عن باب الحريات والواجبات العامة وسيادة القانون، وفي مجال السياسة اكد الدستور قبام الدولة علي اساس المواطنة والتعددية الحزبية.. وحرية الرأي والتعبير. واذا كانت هذه النصوص الدستورية والشعارات المعلنة بقيت عالية متصاعدة منذ عام 1791 وعلي مدي اربعين عاما، إلا أن الواقع ظل يمتليء بالمصادمات والمتناقضات مع تلك المباديء والمقومات، ومع الحقوق والحريات والواجبات.. وكأن سلطات الدولة في واد.. والواقع في واد آخر، فكان اتساع دائرة الفقر والفشل في محاصرته.. وتزايد البطالة.. وتصاعد الهوة والفوارق الشاسعة بين طبقات أبناء المجتمع فكانت مادة للتظاهر والاحتجاج، كما بدت الاحزاب السياسية منذ نشأتها عام 7791، بدت هيكلية وهشة انشغلت بالمصالح والخلافات والمنازعات بين صفوفها وقياداتها حتي اغلق البعض منها ابوابه، ولم تنجح في تطور الحياة السياسية في البلاد.. وافقدتنا الامل في الاصلاح والتغيير وتداول السلطة.. وهكذا فقدت الحياة السياسية.. والاقتصادية والاجتماعية عدالتها وقيمتها.. لهذا وحتي لا تضيع منا الدروس والعظة.. علينا ان نبادر الي العمل والتنمية، والبعد عن سياسة الشماتة والانتقام.. لكي تتحقق العدالة والتنمية في جميع المجالات.. ويعم الإصلاح في البلاد وبين الناس لتجد نتائجها السبيل إلي الواقع، ولنتوقف عن تأجيج الروح الانتقامية في المجتمع أو ادعاء البطولات أو الخروج بها من القبور.