تحية تملؤها الثقة فى مستقبل مشرق نزفها إلى ثوار مصر الأبطال من شبابها الذين دعوا إلى التغيير والإصلاح فى سابقة مجيدة عجز عن تنفيذها كل مدعى السياسة وأحزابهم الكرتونية.. ومثلها تحية عطرة مشفوعة بالدعاء بالرحمة والمغفرة لكل من دفع دماءه ثمنا لحقنا فى حياة حرة كريمة، ممن استشهدوا خلال انتفاضة شباب مصر فى سائر الأرجاء المصرية وخاصة فى ميدان التحرير الذى أصبح الميدان الأشهر فى العالم وفى المشهد السياسى المصرى بعدما صار هو مركز الانطلاقة لثورة الخامس والعشرين من يناير لتتجاوزه إلى كل الأراضى المصرية من أقصاها إلى أقصاها فى تنسيق تلقائى مبعثه الأوحد هو الرغبة الصادقة والمخلصة فى تحقيق الأمل لمستقبل واعد يتيح فرصا متكافئة لكل أبناء الوطن بلا تمييز أو انتقاء. ورغم الثمن الفادح الذى دفعه شباب مصر الغاضب عن رضاء وقناعة حين باتت مصر كلها من أسوان إلى الإسكندرية تقدم أبناءها شهداء لعزتها وفداء لكرامتها وهى بالفعل تستحق ذلك عن جدارة لما تتمتع به من مكانة عالمية جغرافيا وتاريخيا فهى ذات الموقع الجغرافى الذى تندر ميزاته فى أى موقع جغرافى سواه فى العالم ومن هنا كانت مصر ملتقى حضاريا يستجمع شتى العلاقات اقتصادية كانت او اجتماعية أو سياسية فارضة ثقافاتها الموروثة عبر آلاف السنين على شعوب كانت مصر سرا من أسرار نهضتها. أما التاريخ فإن مصر فى هذا الجانب لها خصوصية متفردة، حيث قدمت إلى العالم أقدم حضاراته وأكثرها تقدما وثراء والتى كانت مصدر إشعاع تنويرى لما تلاها من حضارات استمدت معطياتها الأساسية من حضارة مصر القديمة والتى تقف آثارها إلى يومنا هذا شاهدة على ذلك رغم مرور أكثر من سبعة آلاف عام ولم يقتصر تفردها على ذلك، حيث خصها الله بدور فاعل لنصرة أديانه السماوية الثلاثة حين جعل على أرض مصر البقعة المباركة فى طور سيناء حين وقف عليها نبى الله موسى عليه السلام مكلما ربه ليتلقى ناموس الديانة اليهودية التى انطلقت من الأراضى المصرية، حيث المواقف الشهيرة بين موسى وأحد فراعين مصر، وبعدها جاءت المسيحية حين استقبلت مصر السيدة العذراء مريم ابنة عمران والسيد المسيح طفلا فى رحلتهما المقدسة لتكون هذه الأرض الطيبة ملاذا لخير نساء العالمين وطفلها عليهما السلام، ثم جاء الإسلام الدين الخاتم تتويجا لمكانتها بين الأقطار كأرض مقدسة منحها الله تعزيزا بمقام رفيع، حيث اختصها سبحانه وتعالى دون سائر الدول بذكرها خمسا وعشرين مرة فى القرآن الكريم منها خمس باسمها الصريح «مصر» والبقية ضمن سياق الآيات الكريمة ارتباطا للمعنى بالزمان والمكان.. يقول تعالى:(اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم) «البقرة 61»، (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوّءا لقومكم بمصر بيوتا) «يونس 87»، (قال الذى اشتراه من مصر) «يوسف 21»، (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) «يوسف 99»، (قال يا قوم أليس لى ملك مصر) «الزخرف 51»، (وشجرة تخرج من طور سيناء) «المؤمنون 20»، (والتين والزيتون وطور سنين) «التين 1»، هذه هى مصر الدولة العظيمة أم البلاد وغوث العباد كما اسماها نوح عليه السلام. هذه هى مصر الدولة العظيمة التى اسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانة الله فى أرضه كما قال فى حديث شريف:(أوصيكم بمصر خيرا فإن فيها جندا هم خير أجناد الأرض وهم فى رباط إلى يوم القيامة) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وها هم شبابها ينتفضون ثائرين رغبة منهم فى عودتها إلى مكانتها المعهودة عبر العصور وقدموا من أجل تحقيق هذا الهدف الأسمى كثيرا من التضحيات تمثلت فى أرواح غالية هى الآن فى جنة الخلد مع الصديقين والشهداء.. تلك الأرواح التى كانت قربانا للحرية وثمنا للعدالة والكرامة والتى اغتالتها يد أثيمة أفقدتها المفاجأة صوابها وتجردت من مصريتها لترتكب هذا الجرم الأثيم حيال أبناء فى مستهل حياتهم كل ما فعلوه أنهم استخدموا حقهم المشروع فى التطلع إلى حياة حرة كريمة. وهنا يحدونا الأمل فى قضائنا المصرى الشامخ أن يكون - كما عهدناه دائما - قضاء منصفا فى قصاصه من هؤلاء الآثمين. وقد بدأ بالفعل فى الاضطلاع بدوره المأمول من خلال مثول من شملهم قرار المستشار عبد المجيد محمود النائب العام أمام جهات التحقيق وفق ما تقدم له من بلاغات تضمنت اتهامات بالإخلال بالأمن العام للوطن والتقاعس فى أداء المهام الوطنية وسوء استخدام السلطة وتهم أخرى تتعلق بالفساد سوف يفصل فيها القضاء حتى يلقى كل مقصر ما يستحقه من عقاب رادع ليكون عبرة لمن تسول لهم نفسهم القفز على واجبات مهامهم الوطنية إن ما حدث على أرض مصر منذ الخامس والعشرين من يناير قد خلق تاريخا جديدا للوطن بفتح صفحات ناصعة تبث فينا الأمل فى شباب مصر وتجعلنا على يقين بأننا حين نورثهم هذا الوطن العريق سوف يكونون أهلاً للارتقاء به والمحافظة عليه عزيزا كريما بين الأمم. وتعود مصر كما كانت الدولة الرائدة التى تضطلع بدورها القومى تواصلا مع مكانتها العريقة الضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ عبر آلاف السنين. إن هذه الهبة الثورية التى انطلقت فى الخامس والعشرين من يناير إنما تؤكد على أن الشعب المصرى بكل أطيافه وخاصة الشباب منهم لم تمت فيهم عزيمتهم ولم تخفت لديهم مشاعر الانتماء المقترن بإحساسهم بقيمة وطنهم وعلى عكس ما ظن البعض من الحاقدين على مكانة مصر وقدرها حين أشاعوا أن الشعب المصرى قد استسلم لليأس أو ارتكن إلى أحاسيس الإحباط وهاهم الشباب المصرى يثورون غاضبين فى حدث جلل اهتز له العالم بغية التغيير الحتمى الذى يهيئ مناخا جديدا تنطلق منه مصر من جديد نحو النهضة والحرية ولم يكن غريبا ذلك التجاوب المذهل الذى لقيته ثورة الشباب من كل الشعب المصرى على اختلاف أعماره وثقافاته حتى جعل الجميع من هذه الثورة قصدا موحدا وهدفا محددا بمطالب شرعية يكون من شانها إنقاذ مصر من مظاهر سلبية رآها الشباب مكبلة لما يحمل مصر إلى الانطلاق الديمقراطى الذى يؤهلها للعودة إلى الاضطلاع بدورها نحو أمتها العربية كما كانت دائما هى الدولة القائدة للعمل العربى والرائدة فى المنطقة. ومن أهم هذه المطالب تعديلا دستوريا للمواد المعيبة التى وصفها أساتذة القانون الدستورى بأنها خطايا دستورية فى دستور بلد عظيم صاحب حضارة كمصر والتى قام ترزية القوانين بصياغتها بغرض مشبوه ليحقق مصالح شخصية لطغمة من الانتهازيين الذين جعلوا من تطلعاتهم الفاسدة أولويات تقفز على مصلحة الوطن وأمنه واستقراره. كما كانت محاربة ما استشرى من فساد فى قطاعات الدولة مطلبا أساسيا لثورة الشباب ودعوتهم الصريحة فى أن يقتص القضاء المصرى من هؤلاء المفسدين الذين أساءوا استغلال الثروات القومية تحقيقا لمضاعفة ثرواتهم فى غيبة من الضمير والقانون معا، وذلك فى الوقت الذى يدفع الشعب المصرى ثمنا باهظا لهذا الفساد من أقواتهم حتى وصل معظمه إلى مستويات معيشية فاقت مستوى احتماله ومن هنا جاءت ثورة الشباب المصرى الناهض. وجاءت فى مقدمة مطالب الثورة تصحيح مسار الحياة البرلمانية فى مجلسى الشعب والشورى والذى اكتنفها كثير من التزوير الذى أفقدهما صفتهما الأساسية كمجالس نيابية تمثل الشعب المصرى وسلطته التشريعية التى تسدله القوانين التى تضمن له حقوقه وتحفظ له كرامته. إن ثورة الخامس والعشرين من يناير التى قام بها شباب مصر الأبطال دفعوا من أجلها كل ثمين وغال وانضم إليهم الشعب المصرى العظيم مساندا لهم ومشاركا معهم فى ثورتهم المظفرة قد كتبت تاريخا جديدا لمصر مما يجعل واجبا على هذا الشعب أن يبذل هو الآخر من التضحيات ما يضمن نجاح هذه الثورة المباركة وتحقيق أهدافها كاملة وهذا يستوجب أن نكون جميعا على قلب رجل واحد حتى نستمد القوة من وحدتنا التى حتما لا بد وأن تصل بنا جميعا إلى ما نصبو إليه لمصر ولأنفسنا من كرامة وعزة نحن أهل لها عن جدارة يؤكدها ما لنا من تاريخ عريق كما يؤكد أن من أبنائنا شباب رائع هم أبطال هذه الثورة التى حققت ما كنا نراها مستحيلا. عاشت مصر حرة أبية وعاش شبابها الأحرار ورحم الله شهداءها الأبطال.