مازالت كارثة العبارة السلام تؤرقني وتؤلمني كلما جاء ذكرها كما حدث مؤخرا عندما اكتشف وزير النقل ان هناك بعض العبارات تجاوز عمرها الافتراضي المسموح به وتعمل منذ 83 سنة! وقد انقضي علي هذه الكارثة اكثر من 4 سنوات ومن انفعالي الشديد وانا خلال اكثر من نصف قرن عملت فيها كبحار وكذلك في بناء وتصميم السفن واعلم مدي الصرامة المتناهية في هذه الصناعة، وان أي إهمال سواء متعمد او غير متعمد قد يؤدي إلي كوارث لاتحمد عقباها، ولذا عاهدت نفسي علي الا اسكت عن هذا الحادث فقد كتبت العديد من المقاولات وظهرت علي الفضائيات 4 مرات ثم ظهرت في برنامج فني رائع مع المهندس حسين صبور في أحد هذه البرامج شاركت النائب المحترم جدا حمدي الطحان رئيس لجنة النقل وأب فقد زوجته وثلاثة من ابنائه كان احدهم يدرس الطب واستطرد هذا الوالد المنكوب في وصف حالته وكيف كان ينظر للمستقبل مع كل اسرته.. كان ذلك فوق الاحتمال!! ولن انسي عندما استوقفني احد قادة السيارات المرموقين وانا أقود سيارتي واخبرني انه شاهدني في احد هذه البرامج مطالبا لي الا اتنحي عن الدفاع عن هؤلاء الشهداء. وقد ذكرت في احدي مرات ظهوري علي قناة فضائية ان اسرائيل ظلت تضرب غزة عدة اسابيع بأسلحة الدمار الشامل ومع ذلك لم يستشهد الا حوالي ثلاثة الاف ضحية، اما في كارثة العبارة ففي لحظة واحدة استشهد 3301 فردا!! وعندما قدموا للمحاكمة ارسلت كل ما قمت به من اعمال إلي السيد المستشار أحمد محفوظ رئيس نيابة البحر الاحمر والذي اتصل بي مشيدا بما قدمته لهم حيث انه كان ينبني علي اسس فنية وعلمية. أعود فأتذكر خبرتي علي مر السنين ففي عام 1791 سافرت كعضو في لجنة لشراء سفن بضائع لشركة مصر للنقل البحري بتكليف من اللواء بحري عبدالمعطي العربي وزير النقل البحري السابق وكان يرأسها المرحوم اللواء بحري محمود فهمي واتذكر اننا وضعنا شروطا علي ان يكون عمر سفينة البضائع لايزيد علي 5-6 سنوات، واتحسر علي ما يحدث الآن في انه مسموح بأن يصل عمر ناقلة الركاب إلي ثلاثين عاما، واتذكر كذلك عندما عملت مهندسا استشاريا وجاءني احد المستثمرين برغبته في شراء عبارة بحرية املا في الربح الوفير والسريع وكان من حظه ان السوق يمتليء بمثل هذه العبارات اليابانية بعد ان تم عمل نفق بين بعض الجزر اليابانية فاستغني فجأة عن عدد وافر من هذه العبارات، وعندما سألته عن مصادر تمويله الرئيسية فوجئت بأنه اخبرني ان لديه سيارة مرسيدس مستعملة طراز 005 وانه سيبيعها لهذا الغرض!! هكذا يبدأ المغامرون في الاستهانة بأرواح الركاب وليرحمهم الله وكان من الواجب ان أتوقف عن التعامل معه. تعالوا بنا نناقش العبارات القديمة وهي كما كتبت في مقالاتي العديدة ان ملاك السفن يشترون خردة السفن ليعاودوا تشغيلها في مصر تحت حماية القانون المصري وعلي اساس انهم يستمرون في اعطاء ما يسمي بشهادة الصلاحية من احد المكاتب العالمية وكذلك يتم التفتيش عليها من الجهات المسئولة في الموانئ والمنائر وهنا تدور الكثير من علامات الاستفهام فهنا قد يخطيء البشر بحسن او بسوء نية مسببين الكوارث لركاب هذه العبارات. ومن ناحية المبدأ وحتي ولو تم المرور من هذه الاختبارات، فإن هناك فارقا كبيرا في التكنولوجيا الحديثة والقديمة، ولأضرب مثلا فهناك في وسائل الإطفاء كانت تستخدم حنفيات الحريق المتعادة والتي استخدمت في العباراة السلام عند حدوث الحريق والتي ملأت الجراج، وزاد الطين بلة ان هذه المياه لم تخرج من المصافي إلي البحر فتم غرق السفينة، لارتفاع مركز ثقل السفينة الفجائي- مما ادي إلي انقلابها. اما في السفن الحديثة فهناك اجهزة انذار ثم اجهزة اطفاء اتوماتيكي عندما تكون النيران المشتعلة يمكن السيطرة عليها، هذا بالاضافة إلي عدم تدريب الاطقم علي مناورات الحريق والغرق.. وإلخ وهي مناورات يلزم ان تتم علي كل سفينة قبل ابحارها. وهنا اقترح تخفيض العمر المسموح به في العبارات إلي 52 سنة فقط تفاديا لعدة اخطاء بشرية تحدث كثيرا. اننا كلما مرت السنين نترحم علي ارواح شهداء هذه العبارة وهل من الممكن ان نعتبرها عبرة يجب ان نتعلم منها.