لا ينكر أحد أن ما حدث في مصر يدخل في اطار المعجزات.. والمعجزات التي تأتي من خلال الشعوب لايمحوها الزمن.. ولاينقص من اعجازها أية تضحيات يدفعها الشعب ثمنا لتحقيق غايته الكبري في الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة.. ولكي تعيش كريما فلابد أن تدفع ثمنا لهذه الكرامة. لقد وصلت مصر إلي شيخوخة وعجز.. ليس بعدها سوي لقاء رب كريم.. والشيخوخة ليست في السن.. علي الرغم من ان السن حاكم في الكثير من أمور الحياة.. لكن ما يزيد عن حده ينقلب إلي ضده.. الشيخوخة هي عجز في تسيير الامور.. شلل في اتخاذ قرارات مصيرية.. سوء تصرف في اختيار المعاونين.. الاستماع إلي صوت واحد.. وجهة نظر واحدة.. ما عداها اصوات الاعداء!.. الشيخوخة ان تنصت بإمعان إلي البطانة المنافقة.. وأن تعتبر الاصوات المعارضة حاقدة عليك.. الشيخوخة أن تغمض عينيك عن الفساد الذي يرتكب من معاونيك.. وأن تتجاوز عما يفعلونه في ملكك.. وفي شعبك وأن تغلق أذنيك عن أنات وصرخات أصحاب المظالم.. وأن تري العشوائيات وأكوام الزبالة.. كأنها مدن جديدة جميلة تحيط بها الورود.. وأن تري طوابير العيش وسقوط قتلي داخل الطوابير سواء من حرارة الشمس أو من التطاحن من أجل لقمة عيش.. وكأنها جشع من الناس الذين يتصارعون ليكنزوا الخبز.. الشيخوخة أن تري التكدس داخل أوتوبيسات النقل العام والمترو وتقول يجب ان يحمدوا ربنا علي ماهم فيه.. نحن نصرف المليارات لتوفير وسائل انتقال وهم لايشكرون أحدا ولايحمدون الله علي هذه النعم! الشيخوخة أن تري أصحاب المنتجعات ينعمون في ملذات في بلد فقير.. وأن تري فيلات مراقيا ومارينا وماربيللا ولسان الوزراء وسهل حشيش وشرم الشيخ والغردقة.. ولاتوفر لباقي أفراد الشعب من الموظفين والفقراء مصيفا مناسبا لدخولهم في رأس البر أو جمصة أو مرسي مطروح. الشيخوخة أن تكرس كل اهتمامك لقضايا فاشله مثل السودان وفلسطين ولبنان.. وتأتي دولة لا تملك أي رؤية سياسية أو تاريخ في الوساطة لتأخذ منك هذه الملفات لمجرد ان لديها »شوية فلوس«.. وأنت لاتدري أين تقف من هذه السياسات العربية.. ليس هذا فقط.. بل تقلب عليك هذه الدولة الصغيرة قناة تليفزيونية تضرب جهازك العتيد »التليفزيون المصري« بالضربة القاضية! الشيخوخة أن لاتعرف كيف تتصرف في علاج مشكلات مواطنيك ولاتحقق طموحات شباب البلد.. ولا تضع خطة مستقبلية لبلد هو أول من عرف المدنية في العالم منذ أكثر من 7 آلاف سنة. الشيخوخة أن تترك الكفاءات وتعتمد علي أهل الثقة والحظوة في مجالات حيوية وقطاعات تحتاج إلي شفافية وطهارة. الآن نحتاج إلي تجديد الدماء في كل مكان.. نحتاج إلي قيادات شابة واعدة.. من أصحاب انتفاضة ميدان التحرير. ولا أنسي ان أوجه الشكر إلي الرئيس السابق حسني مبارك.. الذي استجاب للشباب في كل طلباته.. حتي تخلي عن السلطة.. وشيمة المصريين الوفاء. لكن هذا الشكر لاينفي محاسبة كل من أخطأ في حق مصر وشعبها وشبابها فالحساب أول طريق التطهير.. والبناء الجديد لايبدأ إلا علي قاعدة صلبة طاهرة من كل خبث وفساد. وأحني الرأس لكل الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم لتعيش مصر.. وأرجو أن يمتنع المنافقون عن تلطيخ أياديهم وعقولهم بدماء الشهداء!