الجهاز المناعي لديه قدرة عجيبة يستطيع من خلالها أن يفرق بين العدو والحبيب, ففي الوقت الذي لايهاجم أي عضو من أعضاء الجسم, نجده يهاجم أي جسم غريب مهما كان حجمه أو تكوينه اذا تجرأ ودخل الي حصن الجهاز المناعي العتيد, والسر في ذلك يكمن في كلمة سر الليل أو البصمة الجينية الموجودة في تكوين كل خلية من خلايا الجسمHLA, والتي يطلب الجهاز المناعي إبرازها في حالة نشاطه وهجومه. الشيخوخة عبارة عن تطور طبيعي وبيولوجي يحدث في أجهزة الجسم المختلفة مع تقدم السن, ويعتبر الإنسان أطول الثدييات عمرا علي الإطلاق, والشيخوخة في بقية الأجناس الأخري دلالة علي تقدم السن, وقرب الكائن الحي من الموت, لأن البقاء لهذه الأجناس للأقوي, حيث خلق الله لهم مقومات البقاء والحماية في البيئة التي يعيشون فيها, أما في الإنسان فإلي وقت قريب كان الناس بمن فيهم من العلماء ينظرون إلي الشيخوخة علي أنها حدث لا يمكن تجنبه أو تأخير حدوثه ومضاعفاته, علي اعتبار أنها مصاحبة لتدهور عقلي وجسدي وأيضا اجتماعي, فالمسن ينظر الناس له نظرة خاطئة وظالمة علي اعتبار أنه إنسان عديم الفائدة للمجتمع, فلم يعد له دور يلعبه, وأكثر من ذلك فهو يحتاج لمن يرعاه ويأخذه بيده, فيكون بذلك عالة علي الآخرين, وكان الكثيرون من علماء الشيخوخة وطب المسنين إلي وقت قريب يعتقدون أن الإنسان بعد سن الخامسة والثمانين يحدث له تدهور بيولوجي حاد يزيد مع تقدم السن ومرور الزمن, إلا إن الدراسات والأبحاث التي وردت بعد ذلك أكدت أن هناك أشخاصا بلغوا سن المائة وأكثر, وهم في حالة صحية جيدة سواء من الناحية الذهنية أو البدنية, ولا يعانون من أية أمراض عضوية مثل تلك التي تكثر مع تقدم السن, مثل ارتفاع ضغط الدم, وأمراض تصلب الشرايين, والبول السكري وغيرها. وهناك ثلاث نظريات تفسر كيفية حدوث الشيخوخة:1- النظرية الجينية2- النظرية الهرمونية3- نظرية الشوارد الحرة ومضادات الأكسدة, ولنبدأ بتفسير النظرية الجينية لحدوث الشيخوخة, والأبحاث التي تجري لتأخير حدوثها ومنعها, ففي المركز الطبي لجامعة جنوب غرب تكساس الأمريكية في يناير عام1998, أعلن د. جيري شاي أن فريق البحث الذي يرأسه, قد توصل إلي نافورة الشباب الدائم في جينات الخلية البشرية, وأضاف د. شاي: نحن لا نقول إننا قد توصلنا إلي الإنسان الخالد الذي لا يموت, أو إننا سوف نطيل عمر البشر, إلا أن الشيء الذي نستطيع أن نؤكده, أن ما وصلنا إليه من اكتشافات سوف يحتفظ بشباب الخلية والإنسان للعمر المقدر له أن يعيشه, حيث أصبح بإمكاننا إغلاق مسار خط سير عملية الشيخوخة, والتي تؤدي إلي موت الخلية. ومن خلال الإبقاء علي الخلايا في حالة من الحيوية والنشاط واالانقسام, يمكن تجنب العديد من الأمراض المصاحبة للشيخوخة مثل: كرمشه وتجاعيد الجلد, وبعض أنواع ضعف البصر والسمع, وبعض أمراض القلب وقصور الشرايين, وكذلك بعض أمراض المخ المصاحبة للشيخوخة مثل ضعف الذاكرة, والتوهان, والشلل الرعاش وألزهايمر وغيرها من تلك القائمة من الأمراض, ولقد نشرت مجلة ساينس العلمية تفاصيل هذا البحث, وكانت نتيجة نشره آنذاك ارتفاع أسهم شركة كاليفورنيا بيوتيك للأبحاث التي تعمل في مجال تصنيع الأدوية عن طريق الهندسة الوراثية بنسبة43% في خلال أيام, لأنها سوف تصنع دواء يعمل من خلال نتائج هذا البحث علي منع حدوث الشيخوخة وأعراضها. وفكرة نافورة الجينات التي تجعل الإنسان يظل شباب علي طول تعتمد علي أنه توجد علي نهايات الكروموسومات ما يسمي ب تيلوميرزtelomeres ومع كل انقسام للخلية فإنها تفقد جزءا مما تحتويه من التيلوميرز الموجود في نهاية الكروموسومات, حتي يصبح هذا التيلوميرز قصيرا جدا, بحيث لا يسمح بانقسامات أخري للخلية فتشيخ وتموت. وتفقد الخلية الحية مع كل انقسام عدد من التيلوميرز يبلغ من5-20, وعندما ينتهي هذا التيلوميرز من الخلية تشيخ وتموت, إلا أن العلماء لاحظوا أن الخلايا السرطانية تظل تنمو وتتكاثر دون أن تشيخ أو تموت من تلقاء نفسها مثلما يحدث في الخلايا العادية, وعندما بحثوا عن السبب توصلوا إلي أن الخلايا السرطانية تفرز إنزيما يسمي تيلوميريزTelomerase لديه القدرة علي استنساخ التيلوميرز الموجودة علي نهايات الكروموسومات, وبالتالي تظل الخلايا السرطانية في حالة انقسام وتجدد مستمر دون أن تشيخ أو تموت, ومن هنا جاءت الفكرة لفريق البحث, وما توصل إليه فريق د. شاي هو التركيب الجيني لإنزيم تيلوميريزtelomerase الذي يجعل الخلية تظل علي انقسامها, ولا تبدو عليها أي علامة أو عرض من أعراض الشيخوخة التي تؤدي إلي موتها, ويقول د. رايت, وهو أحد المشتركين في هذا الاكتشاف من جامعة دالاس تكساس: إننا نستطيع أن نأخذ الخلايا الحية من الإنسان مثل خلايا الجلد مثلا, ونحقن فيها إنزيم التيلوميريز, ونعيدها مرة أخري للشيخ المسن, بعد أن تكون قد استعادت حيويتها وشبابها, ويمكن أن نفعل ذلك في أي عضو من أعضاء الجسم المسنة فيعود إليها شبابها وحيويتها, ويمكن تحضير هذا التيلوميريز من الخلايا الجنينية للنطفة, وهي في مراحل الانقسام الأولي, بحيث يتم حقنها في الكروموسومات, لتصل إلي جينات التيلوميرز, بحيث تظل تنسخها, حتي لا تنتهي من الخلية, وبالتالي لا تشيخ الخلية بانتهائها, والذي استطاع فريق البحث بقيادة د. شاي إنجازه هوتحضير الجينات التي تصنع إنزيم التيلوميريز في المعمل, وجعل التيلوميرز ينمو مرة أخري في الخلية, وبالتالي تعود الخلية إلي الانقسام والحيوية والشباب مرة ثانية, بعد أن تكون قد وصلت إلي مرحلة الشيخوخة. ولعل هذا هو أسلوب استعادة الشباب من خلال النظرية الجينية لحدوث الشيخوخة. وفي المتوسط, فإن الخلايا البشرية تظل تنقسم إلي أن تشيخ وتتوقف عن الانقسام بعد حوالي70 جيل من الانقسامات, وبإضافة أنزيم التيلوميريزTelomerase في المعامل, أمكن للخلية البشرية أن تنقسم مائة ضعف عدد الإنقسامات في الحالات العادية, ولم يسبب إضافة إنزيم التيلوميريز حدوث أي نوع من السرطان في الخلايا التي تم إضافته إليها في المعمل, حيث كانت هذه الخلايا مأخوذة من الجلد, وشبكية العين, والجدار الداخلي لبعض شرايين الجسم, وكانت النتيجة المذهلة أنها جميعا استعادت شبابها وحيويتها, وبالتالي فالفرصة سانحة عندما تتم تجربة هذا علي الإنسان بأن نأخذ عينات من الجلد المليء بالتجاعيد والكرمشة, ونحقن فيه إنزيم التيلوميريز, ثم نعيده لصاحبه بعد أن يكون قد تحول لجلد شاب مرة أخري, وكذلك استعادة شباب الشرايين, والقضاء نهائيا علي مرض تصلب الشرايين, بعد أن تستعيد مرونتها وشبابها مرة أخري, وبالتالي القضاء علي ما يصاحب ذلك أيضا من أمراض المخ والقلب والأطراف وغيرها. ولعل من أهم استخدامات هذا الاكتشاف الرائع هو استخدامه في حالات العلاج الجيني, حيث نستبدل الجين المعيب, بآخر سليم ندخله إلي الخلية البشرية التي تكون قد فقدت جزءا من عمرها, واقتربت من الشيخوخة, تماما مثلما نجدد شقة في بيت آيل للسقوط, واستخدام التيلوميريز قبل العلاج الجيني, يجعل هذا العلاج أكثر فائدة وأطول وأعظم أثرا, ويقول د. رايت إنه ما زال أمامنا الكثير الذي قد يستغرق سنوات حتي يستخدم هذا الإنزيم بصورة عملية في الإنسان دون حدوث أية مضاعفات, وعندما يحدث هذا فسوف نكون أمام ثورة طبية لها تطبيقات في جميع تخصصات الطب وصحة الإنسان خلال القرن الحالي, ولكن تري هل يمكن أن يضيف العلماء إلي عمر الإنسان مئات من سنوات الصبا والشباب بإذن الله؟ وماذا سيفعل الإنسان لو عاش مئات السنين في ظل هذا الإيقاع السريع للحياة, حيث يستطيع الإنسان أن ينتقل بين ثلاث قارات في يوم واحد ؟ ماذا عساه أن يفعل إذا عاش400 أو ربما700 سنة, في زمن ندر فيه الوفاء وانقطعت فيه صلة الأرحام, وزادت نسبة حدوث الانتحار بسبب الاكتئاب حتي في سن الشباب ؟ لقد بدأ العلماء بالفعل تجاربهم علي إطالة عمر الخلية البشرية في أنبوبة الاختبار في مزارع الخلايا بالمعمل, وانتقلوا إلي العمل بعد ذلك علي فئران التجارب, ثم يلي ذلك- إذا نجحت هذه التجارب- تجربته علي البشر أنفسهم, من خلال المتطوعين الذين يقبلون ذلك, ويتوقع بعض العلماء أننا لو استطعنا اختيار الزوجين المناسبين من الناحية الوراثية والجينية, فإننا بعد1500 عام سوف يتمكن أحفاد أحفادنا, من الحياة لأعمار تتراوح ما بين400 و700 عام. وقد تم تجربة هذا التحسين في قدرات السلالات من الأجيال في ذبابة الفاكهة حيث تمكن العلماء- من خلال اختيار السلالات الأقوي والأكثر عمرا لكي تتزاوج مع بعضها- من مضاعفة معدل عمر ذبابة الفاكهة من40 إلي80 يوما من خلال60 جيلا من التكاثر لهذه الذبابة, وبعضها يتمكن من العيش لمدة تصل إلي ستة أشهر أي أكثر من ثلاثة أضعاف المعدل العمري العادي, وقد تبين أن هذه السلالات طويلة العمر, لها قدرة أكبر علي الطيران دون توقف من مثيلاتها قصيرة العمر من ذبابة الفاكهة, وقد تصل إلي ضعف هذه القدرة. وقد تم إطالة عمر ذبابة الفاكهة بإذن الله- من خلال تغيرات عديدة في تكوين هذه الذبابة الجيني, ولكن لأن الكمال لله وحده, فإن العلماء وجدوا أن هناك ثمنا لا بد أن يدفع ثمنا لهذا التقدم, وهذا الثمن يتمثل في قلة القدرة علي الإنجاب في هؤلاء المعمرين عن غيرهم من غير المعمرين في هذا النوع من ذبابة الفاكهة المعدل.