لسنا وحدنا الذين فوجئنا بانتفاضة شبابنا مطالبين بحقوقهم الشرعية التي طال انتظارهم لها. ولم يبالغ البعض عندما كانوا يستبعدون قيام شبابنا بدور بارز في إحداث أي تغيير إصلاحي تنتظره الجماهير. عدم المبالغة جاء من انصراف الشباب عن أية مشاركة سياسية في الحياة السياسية. فالقلة من بينهم هي التي انضمت إلي الأحزاب السياسية، ولم يتشجع غيرهم للانضمام لأن الأحزاب لا تصغي إليهم، وإن استمع البعض إلي آمال وآلام الشباب مكتفياً بما سمعه لأنه ليس في إمكانه تحقيقها أو حتي التخفيف من معاناتها. لم يتصوّر كُثر أن مقاطعة غالبية شبابنا للمشاركة السياسية راجعة إلي أن التجارب التي عاشها بعضهم لم تكن مشجعة، ولا مؤثرة. منهم من كان يهاجم الحكومة مع رفاقه تنفيساً عن غضبه من البطالة التي أجبر عليها، ومن الأخطاء التي ترتكبها الحكومات الواحدة بعد الأخري فيتضاعف غضبه وحنقه.. يأساً من أي شيء وكل شيء.. فآثروا الابتعاد عن السياسة وانضموا إلي ما يعرف ب »الأغلبية الصامتة«. تغيرت الصورة السلبية لشباب مصر صباح يوم25يناير الماضي من النقيض إلي النقيض. من لامبالاة وصفوا بها جهلاً بهم وظلماً لهم إلي انتفاضة بركانية كما وصفها مراقبون ومحللون شدت أنظار الدنيا كلها وسمّرت مئات الملايين أمام الشاشة الصغيرة يتابعون هذا الفوران الشبابي المطالب بإصلاحات شرعية.. كما وصفها الرئيس حسني مبارك في أول تعليق له عليها.. إيذاناً بسرعة الأخذ بها من خلال سلسلة الإجراءات والقرارات الرئاسية التي نتابعها بترحاب شديد يوماً بعد يوم وساعة بعد أخري. لسنا وحدنا من اندهش وبُهر بما خططه، ونفذه، شباب مصر من قبله شباب تونس دون استشارة شخص، أو جماعة، أو حزب حاكم أو معارض، مادام هؤلاء جميعاً كانوا في واد وآمال وآلام شباب مصر في واد آخر. مقال مهم كتبه الكاتب النمساوي: »روبرت ميسيك« في صحيفة: Der Standard وصف انتفاضة شبابنا بأنها أشبه ب »ربيع 1989« الأوروبي. و أوضح الكاتب أن ما حدث ليس ربيعاًً مقصوراً علي مصر وإنما سرعان ما يتحول إلي »ربيع عربي« يضيء المنطقة العربية من المحيط إلي الخليج، وتشجع شعوبها علي تكرار ما حدث من الشعبين:التونسي والمصري. يحدثنا »ميسيك« عن دهشته من حدوث ما حدث لأول مرة من الشعوب العربية، علي العكس تماماً من صورتها التي تعود المجتمع الغربي عليها علي امتداد العقود والقرون الماضية. رأي الغرب في شعوبنا أنها كما يقول الكاتب النمساوي هامدة، طيعة، يسهل قيادتها وقهرها وإخضاعها من جانب الأنظمة الإسلامية والديكتاتورية. ويضيف الكاتب قائلاً إن المفاجأةالكبري أن شباب تلك الشعوب في تونس ومصر أثبتوا أنهم لا يختلفون عن الشباب الغربي في الجهر بحقوقهم والمطالبة بالإصلاحات التي تنتظرها شعوبهم، وإنهم يعيشون بالفعل عصر الإنترنت الذي ينعم به غيرهم في أوروبا. ويختتم المحلل النمساوي مقاله مشيراً إلي أن أول تعليق سمعه يتردد بين معارفه وزملائه كان يحمل تخوّفاً شديداً مما ينتظر دول العالم العربي مع انتقال تلك الانتفاضة إليها. كان التعليق الأول لهؤلاء: » مع الترحيب برياح الإصلاحات العربية علينا أن نتنبه إلي خطورة ما سيحدث عندما يستغل الاسلاميون عدم الاستقرار وغياب الأمن ليحققوا ما سبق أن حققوه في دول أخري مثل إيران وأفغانستان وباكستان.. وسيكون أول قرار لهم هو تصفية الشباب الذين لولا انتفاضتهم لما نجحوا في القفز إلي السلطة.. فهل هذا ما نريده؟!«. هذا التخوف ليس مقصوراً في رأيي علي مايتردد في أوروبا والولايات المتحدة، وإنما سمعناه وقرأناه بألسنة وأقلام عشرات المعلقين والمحللين في معظم الدول العربية. وأتصوّر أن هذا الهلع وصل إلي مسامع وعيون قيادات التطرف الإسلامي فسارع بعضهم للتأكيد علي أن ما حدث في تونس ومصر هو انتفاضة شبابية مستقلة عن جميع الأحزاب السياسية والجماعات العقائدية، وإذا كان »الإسلاميون« شاركوا في التظاهرات فذلك راجع إلي دعم وتأييد الشباب وليس أبداً محاولة القفز علي انتفاضتهم أو إنتظاراً للسطو علي قيادتها(..)، وكم أتمني أن يصدق قادة جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها، في تأكيداتهم. .. والأيام بيننا.