كان أحد المطالب الرئيسية لشباب 52 يناير أن يكون هناك اعتراف رسمي بمشروعية تحركهم الشجاع من أجل التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية، هذا التحرك الذي غير وجه مصر وأطلق رياح التغيير والإصلاح بلا حدود. وكان الشباب ينطلقون في مطلبهم هذا من تاريخ طويل من عدم الثقة بأجهزة الدولة، تعزز للأسف الشديد في الأيام الماضية مع التحركات المشبوهة لعناصر منتظر الكشف عن هويتها لإجهاض ما تحقق ولمحاولة زرع الفتنة بين شباب مصر وبين جيشها العظيم الذي أثبت مرة أخري أنه الحامي لأمن الوطن واستقراره، وأنه الضامن لمسيرة شعب مصر نحو الديمقراطية والعدل والتقدم. كان شباب مصر يسمع كلاما طيبا عن أهدافهم المشروعة من الذين تحملوا المسئولية في هذه الأوقات الصعبة وفي مقدمتهم نائب الرئيس ورئيس الوزراء، ولكن ما أن تبدأ عوامل استعادة الثقة في العمل حتي يجد الشباب أنفسهم في مواجهة هجوم البلطجية كما حدث يوم الأربعاء الدامي الذي سقط فيه عشرات الشهداء ومئات الجرحي! وكان شباب مصر يتلقي الوعود أن أمنهم لن يمس ثم يفاجأوا باختفاء زملاء لهم في ظروف غامضة. وكان شباب مصر يمضي في طريقه معتزا بما أنجز لبلاده، فإذا أبواق إعلامية تستخدم قاموسها الذي تعودت عليه، وتصف هذا الجيل العظيم من شبابنا بأنهم عملاء وخونة وقلة مندسة.. إلي آخر مفردات القاموس الذي إن جاء يستخدم مع عواجيز السياسة »وهو بالطبع غير جائز« فإن استخدامه مع شباب برئ صادق هو جريمة لا تغتفر. من هنا كان ما تضمنه البيان الصادر عن اجتماع نائب الرئيس عمر سليمان من ممثلي الأحزاب والقوي السياسية من تأكيد علي احترام وتقدير شباب 52 يناير، خطوة علي طريق بناء الثقة نرجو أن تتلوها خطوات. إن هذا التأكيد لابد أن يترجم إلي التزام قاطع بضمان سلامة أبنائنا وهم يمارسون حقهم المشروع في التظاهر السلمي دون إضرار بالمصلحة العامة، وبأنه لا مكان للبلطجية في ميدان التحرير، ولا مجال لبقاء شاب واحد من شباب 52 يناير رهن الاعتقال بسبب مشاركته السلمية في التظاهر. لكن هذا ليس كل شيء.. فالإقرار بمشروعية مطالب شباب 52 يناير، تعني أيضا أن الكل أصبح يدرك مدي الفشل لسياسات اتبعناها وكان لابد أن تؤدي إلي انفجار الأوضاع، حين سدت كل أبواب الإصلاح والتغيير، وحين وصلت الحياة السياسية إلي حالة من الجمود والشلل لا تحتمل، وحين انحازت هذه السياسات لفئة قليلة استحوذت علي الثروة ونهبت المال العام ومنعت ثمار التنمية من أن تصل إلي الملايين من الفقراء ومحدودي الدخل، وحين أشاعت مناخاً غير مسبوق من الفساد والإفساد، واعتبرت أي حديث عن غياب العدل الاجتماعي محاولة خبيثة لإقلاق راحة السادة المفسدين والمحتكرين والسماسرة وهم يمارسون مهامهم غير المقدسة في الثراء غير المشروع والفساد غير المسبوق، في حماية زواج محرم ومدان بين السلطة والثروة. أيضا، فإن الإقرار بشرعية مطالب شباب 52 يناير، يعني أن هذا الشباب الذي فاجأ الجميع بوعيه الصادق ووطنيته الرائعة لابد أن يكون الطرف الأصيل في أي حوار حو المستقبل. لقد تعاملت كل القوي باستخفاف، ولسنوات طويلة، مع شباب مصر. أبعدته عن مراكز القرار، وخافت من تحميله المسئولية، وهيآت لها الفجوة الواسعة التي نشأت بين الأجيال أنه لا يملك الوعي ولا القدرة ولا الإمكانيات لكي يأخذ مكانه في مقدمة الصفوف. وها هو الجيل الذي كان البعض يظنه جيلاً ضائعاً يثبت أنه الأكثر صلابة والأشد وعياً من أجيال تحدثت كثيراً ولم تفعل شيئاً، وبقية في صدارة المشهد بأكثر مما ينبغي تحت زعم ان الشباب مازالوا تحت سن الرشد السياسي والثقافي! وبالصدفة، فقد كان آخر ما كتبته هنا في »الأخبار« قبل 52 يناير، مقالا كنت أرد فيه علي ما يزعمه بعض المسئولين من أن شبابنا لا يريد أن يعمل! وأن لدينا مئات الآلاف من الوظائف الشاغرة التي يرفضها الشباب رغم المرتبات المجزية لأنهم لا يريدون أن يعملوا بجد، ولهذا يضطر رجال الأعمال الغلابة إلي استيراد العمالة من بنجلاديش والهند وغيرهما! فهل مازال هؤلاء المسئولون عند رأيهم في شبابنا؟ وهل الشباب الذي أنجز 52 يناير هو شباب لا يعمل ولا ينتج، أم أن بعض المسئولين كانوا قد فقدوا صلتهم بالواقع، ولم يدركوا حجم طاقات الإبداع والعمل عند جيل رائع ستظل مسئوليتنا الكبري أن نهييء أمامه كل الظروف لكي يصنع المستقبل الذي فتح أبوابه لمصر في 52 يناير بعد طول انتظار.